2ـ تأثير البيئة الاجتماعية :
إنّ للوسط الاجتماعي الذي يعيش الطفل فيه تأثيراً كبيراً في سلوكيّته وبناء شخصيّته ، فسرعان ما يتطبّع بطابع ذلك الوسط ، ويكتسب صفاته ومقوّماته من عقائد ذلك الوسط وأعرافه وتقاليده وطريقة تفكيره ، وما إلى ذلك ، والبيئة أو الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل يتمثّل بما يلي : الأسرة ، المجتمع ، المدرسة ، الدولة .
أ ـ الأسرة :
هي المحيط الاجتماعي الأوّل الذي يفتح الطفل فيه عينيه على الحياة ، فينمو ويترعرع في أوساطه ، ويتأثّر بأخلاقه وسلوكيّاته ، ويكتسب من صفاته وعاداته وتقاليده .
فالطفل يرى في أبوبه ـ وخصوصاً والده ـ الكيان الأعظم ، والوجود المقدّس ، والصورة المثالية لكلّ شيء ، ولذا تكون علاقته معه علاقة تقدير وإعجاب وحبّ واحترام من جهة ، ومن جهة أخرى علاقة مهابة وتصاغر ، ولذا فهو يسعى دائماً إلى الاكتساب منه ، وتقمّص شخصيّته ، ومحاكاته وتقليده ، والمحافظة على كسب رضاه .
في حين يرى في الأمّ مصدراً لإرضاء وإشباع نزعاته الوجدانية والنفسية ، من حبّ وعطف وحنان وعناية ورعاية واهتمام ؛ لهذا فإنّ شخصية الأم تؤثّر تأثيراً بالغاً في الطفل ونفسيّته وسلوكه ـ حاضراً ومستقبلاً .
لذا ، فإنّ لأوضاع الأسرة وظروفها الاجتماعية والعقائدية والأخلاقية والسلوكية والاقتصادية وغيرها ؛ طابعها وآثارها الأساسية في تكوين شخصية الطفل ونموّ ذاته ؛ فالطفل يتأثّر بكل ذلك ، وهذا ينعكس على تفكيره وعواطفه ومشاعره واحساساته ووجدانه وسلوكه ، وجميع تصرّفاته .
فعلاقة الوالدين مع بعضهما ، وكيفية تعامل أفراد الأسرة ، من أخوة وأقارب فيما بينهم ، يوحي إلى الطفل بنوعية السلوك الذي يسلكه في الحاضر والمستقبل ، فهو ـ كما قيل ـ أشبه بالببغاء ، يقلّد ما يرى وما يسمع ويحاكيه ، وهو حينما يرى أنّ هذه العلاقة قائمة على الودّ والعطف والحنان والتقدير والاحترام والتعاون ؛ فإنّه يألف هذا السلوك ، ويتأثّر به ، فتكون علاقته بوالديه واخوته وبقيّة أفراد أسرته والآخرين قائمة على هذا المنحى ، وعندما يخرج إلى المجتمع فهو يبقى في تعامله معه على هذا الأساس أيضاً .
أمّا إذا كان يعيش ضمن أسرة متفكّكة منهارة ، تقوم علاقاتها على الشجار والخلاف وعدم الاحترام والتعاون ؛ فإنّه يبني علاقته بالآخرين على هذا الأساس ، وينشأ معانياً من الجفوة والقسوة والانحلال والتفكّك وعدم الانسجام ، ويتكوّن لديه الشعور بالنقص ، وربّما نشأ مريضاً نفسيّاً وانتقاميّاً حقوداً على الجميع .
وكم من هؤلاء ذكرهم لنا التاريخ ، كانوا وبالاً على المجتمعات ، وفي الوقت الحاضر لا يخلو العالم من هذه النماذج الحقودة على الإنسانية ، الخطرة على مجتمعها ، ممّن يندى جبين العفّة والشرف عند الاطّلاع على ماضيهم الدنيء وحاضرهم القبيح .
والإسلام الحنيف يولي أهمّية فائقة للطفل ، ويركّز على تربيته التربية الصالحة المفيدة ، فقد ورد عن النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) : ( أحبّوا الصبيان وارحموهم ) .
وقال ( صلّى الله عليه وآله ) أيضاً ليهودي : ( أمّا لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان ) ، فقال اليهودي : إنّي أؤمن بالله ورسوله ، فأسلم .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) : ( من قبّل ولده كتب الله عزّ وجلّ له حسنة ، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة ) .
ب ـ المجتمع :
هو المحيط الثاني الذي يتلّقى الطفل ويحتضنه بعد أبويه وأسرته ، ويغرس فيه ماهيّته ، وينقل إليه عاداته ومفاهيمه وسلوكه ، وفي المجتمع يجتمع كل ما يحمله وينتجه الأفراد المعاصرون من أفكار وعادات وتقاليد وأخلاق وسلوكيّات وتصرّفات ، كما أنّه يعتبر الوارث الطبيعي للأسلاف والأجيال الماضية ، وهو الذي ينقل إلى الجيل الحاضر ما كان عليه آباؤه وأجداده من حالات وأوضاع ؛ لذا فإنّ للبيئة الاجتماعية دوراً كبيراً في قولبة شخصية الطفل وسلوكه .
والفرد المسلم في المجتمع الإسلامي يجد البيئة الصالحة المناسبة لنموّه ونشأته واستقامة شخصيّته ، لتوفّر الأجواء والظروف اللازمة لنموّ الشخصية الإسلامية اجتماعيّاً نموّاً صالحاً سليماً .
فالصديق الذي يرافقه الطفل ويلعب معه يؤثّر فيه ، وينقل إليه الكثير من أنماط السلوك ، ومعاملة الضيوف والأقارب وغيرهم ، والاختلاط بهم تكون لها منافعها وأضرارها ، والمؤسّسات العامّة كالملاعب والنوادي والجمعيّات والمسارح ودور السينما والحدائق والمتنزّهات وسائر الأماكن العامّة ، أو المظاهر العامّة والممارسات كالأعياد والمناسبات المختلفة ، التي يعيشها الطفل ويتعامل معها ، أو يرتادها ، كلّ ذلك يزرع في نفسه مفهوماً خاصّاً ، يوجّهه توجيهاً معيّناً ، وكذا القصص والحكايات الشعبية والأمثال والنكت هي أيضاً تترك آثارها على شخصية الطفل وسلوكه وأخلاقه .
والتربية الإسلامية تعتمد على المحيط الاجتماعي في التوجيه والإعداد ، وتهتمّ بإصلاح الطفل وتوجيهه توجيهاً صحيحاً سليماً ، فمن النافع جدّاً ذكره أنّ هناك أمراً مهمّاً وخطيراً جدّاً في العملية التربوية ، له أثره المهمّ والفعّال في الشخصية الإنسانية ، ألا وهو الانسجام التامّ وعدم التناقض بين حياة البيت والمدرسة والمجتمع ؛ ليسلم الطفل من الصراع النفسي والتشتّت وانقسام الشخصية وانفصامها .
والمجتمع الإسلامي الذي يؤمن بالإسلام فكراً وعملاً وسلوكاً ، ينسجم تماماً مع الأسرة والمدرسة ، ويلقى الطفل فيه الحياة المتّزنة المستقرّة المنسجمة الهادئة المريحة ، كما أنّ الطفل أينما يولّي وجهه في البيت أو المدرسة أو المجتمع ، فإنّه يجد الأمّ والأصدقاء والمؤسّسة والمظهر الاجتماعي العام ، ووسيلة الإعلام وحياة الناس العامّة وسياسة الدولة كلّها تسير على قاعدة فكرية وسلوكية واحدة ، ساعية إلى الخير والإصلاح والعزّة والكرامة ، وتعمل بانسجام تام ، وتتعاون بشكل دقيق ومتقن ومنسّق ، على أسس فلسفة حياتية وفكرية واحدة ، من أجل بناء الفرد الصالح النافع ، والمجتمع السليم القويم ، والدولة القوية المهابة .