الواجبات المطلوبة من الأبوين، أمر الله تعالى بها في القرآن وأمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم،
وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكمناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهمويفعلون ما يؤمرون} التحريم / 6 .
يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية :
يقول تعالى ذكره يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله { قوا أنفسكم } يقول : علموا بعضكم بعضا ما تقون به من تعلمونه النار وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعةالله واعملوا بطاعة الله . وقوله {وأهليكم ناراً} يقول : وعلموا أهليكم من العملبطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار. " تفسير الطبري " ( 28 / 165).
وقال القرطبي :
قال مقاتل : ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيدهوإمائه، قال إلكيا: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يستغني عنهمن الأدب وهو قوله تعالى : {وأْمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} ، ونحو قوله تعالىللنبي صلى الله عليه وسلم : {وأنذر عشيرتك الأقربين} ، وفي الحديث : " مروهمبالصلاة وهم أبناء سبع " . " تفسير القرطبي " ( 18 / 196).
والمسلم - أيمسلم – داعية إلى الله تعالى، فليكن أولى الناس بدعوته أولاده وأهله من الذينيلونه ، فالله تعالى عندما كلف الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة قال له : {وأنذرعشيرتك الأقربين} الشعراء / 214 ، لأنهم أولى الناس بخيره ورحمته وبره .
وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم مسؤولية رعاية الأولاد على الوالدينوطالبهم بذلك :
عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع فيأهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راعفي مال سيده ومسئول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسئول عنرعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته " . رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829(
ومن واجبك أن تنشئهم من الصغر على حب الله ورسوله وحب تعاليم الإسلاموتخبرهم أن لله ناراً وجنة، وأن ناره حامية وقودها الناس والحجارة، وإليك هذهالقصة ففيها عبرة :
قال ابن الجوزي :
كان ملِك كثيرَ المال، وكانت لهابنة لم يكن له ولد غيرها، وكان يحبها حبّاً شديداً، وكان يلهيها بصنوف اللهو،فمكث كذلك زماناً، وكان إلى جانب الملك عابدٌ، فبينا هو ذات ليلة يقرأ إذ رفعصوته وهو يقول {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناسوالحجارة} فسمعت الجارية قراءته، فقالت لجواريها: كفوا، فلم يكفوا، وجعلالعابد يردد الآية والجارية تقول لهم : كفوا، فلم يكفوا، فوضعت يدها في جيبهافشقت ثيابها، فانطلقوا إلى أبيها فأخبروه بالقصة، فأقبل إليها، فقال : يا حبيبتيما حالك منذ الليلة؟ ما يبكيك؟ وضمها إليه، فقالت : أسألك بالله يا أبت، لله عزوجل دار فيها نار وقودها الناس والحجارة؟ قال : نعم ، قالت : وما يمنعك يا أبت أنتخبرني، والله لا أكلتُ طيِّباً ، ولا نمتُ على ليِّنٍ حتى أعلم أين منزلي فيالجنة أو النار . " صفوة الصفوة " ( 4 / 437-438)
وينبغي عليك أن تبعدهمعن مراتع الفجور والضياع وألا تتركهم يتربون بالسبل الخبيثة من التلفاز وغيره ثمبعد ذلك تطالبهم بالصلاح، فإن الذي يزرع الشوك لا يحصد العنب، ويكون ذلك في الصغرليسهل عليهم في الكبر وتتعوده أنفسهم ويسهل عليك أمرهم ونهيهم ويسهل عليهم طاعتك .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " مرواأولادكم الصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم فيالمضاجع ". رواه أبو داود ( 495(.
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيحالجامع " ( 5868).
ولكن ينبغي على المؤدب أن يكون رحيماً حليماً سهلاًقريباً غير فاحش ولا متفحش يجادل بالتي هي أحسن بعيداً عن الشتائم والتوبيخ والضرب، إلا أن يكون الولد ممن نشز عن الطاعة واستعلى على أمر أبيه وترك المأمور وقارفالمحظور فعندئذٍ يفضَّل أن يستعمل معه الشدة من غير ضرر .
قال المناوي :
لأن يؤدب الرجل ولده عندما يبلغ من السن والعقل مبلغاً يحتمل ذلك بأن ينشئه علىأخلاق صلحاء المؤمنين ويصونه عن مخالطة المفسدين ويعلمه القرآن والأدب ولسان العربويسمعه السنن وأقاويل السلف ويعلمه من أحكام الدين ما لا غنى عنه ويهدده ثم يضربهعلى نحو الصلاة وغير ذلك : خير له من أن يتصدق بصاع ؛ لأنه إذا أدبه صارت أفعاله منصدقاته الجارية ، وصدقة الصاع ينقطع ثوابها، وهذا يدوم بدوام الولد والأدب غذاءالنفوس وتربيتها للآخرة {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} التحريم / 6 .
فوقايتك نفسك وولدك منها أن تعظها وتزجرها بورودها النار وتقيم أودهمبأنواع التأديب فمن الأدب الموعظة والوعيد والتهديد والضرب والحبس والعطية والنوالوالبر فتأديب النفس الزكية الكريمة غير تأديب النفس الكريهة اللئيمة . " فيض القدير " ( 5 / 257 ) .
والضرب وسيلة لاستقامة الولد، لا أنه مرادٌ لذاته، بليصار إليه حال عنت الولد وعصيانه.
والشرع جعل نظام العقوبة في الإسلام وذلكفي الإسلام كثير كحد الزاني والسارق والقاذف وغير ذلك ، وكلها شرعت لاستقامة حالالناس وكف شرهم .
وفي مثل هذا جاءت الوصية عن الرسول صلى الله عليه وسلممعلماً الأب ردع الولد :
عن ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه و سلم قال : " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت ، فإنه أدب لهم " . رواه الطبراني ( 10 / 248(
والحديث : حسّن إسنادَه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 8 / 106).
وقالالألباني في صحيح الجامع ( 4022 ) ،حسن .
فتربية الأولاد تكون ما بينالترغيب والترهيب، وأهم ذلك كله إصلاح البيئة التي يعيش بها الأولاد بتوفير أسبابالهداية لهم وذلك بالتزام المربيين المسؤولين وهما الأبوان .
ومن الطرقالتي ينجح المربي بها في تربية أولاده استخدام جهاز المسجل لسماع المواعظ وأشرطةالقرآن وخطب ودروس العلماء حيث هي كثيرة .