همسات إلى النفس..
*
يا أيها الكائن الغريب بين جوانحي ، إلى متى تقبع هكذا وقد استعصى زِمامك ، وانْفلت لجامك ..؟
أيا نفس إني أنادي فيكِ واعظ َالرحمن ، ونداء َالفطرة التي سلمت من شوائب النَّكد ؛ لقِّني جنانك حجة تلقيْن بها عرصاتِ الوقوف حتى لا تخذلك العبارة ، ويُنكِرك البيان..فيتلعثمَ لسانك والأمر جِدٌّ لا هزل فيه ..فإذا صياحُك مع النادمين ( رب ارجعون ..) ، ألا فتخيلي أنك هناك ، وبعد تلك الصيحة ها قد مُدت لك لحظة استدراك ، فاغنمي حتى لا تكرري الصرخة َمرةً أخرى..
يا نفس كأنِّي بك قد ثويت تحت الثرى ، فمن ذا الذي يبدد عنك غلَس البهيم ؟ ويؤنس عزلتك وقد ألفت الاجتماع..؟ ألا فتزودي بنور يضيء مثواك ،وقبسٍ يطرد عنك وحشة الانعزال ، إذا فارقك الأحبة وقد أهالوا عليك التراب..
أما تشفقين على أناملك الرقيقة ، وأطرافك البَضَّة أن تعكر أمنَها شُهُبُ اللظى..؟
أتماطلين يا نفسا قد جمحت ؟ بربك هل تضمنين العيش إلى غدِ ، بل أبمقدوركِ توقُّع أن يعقب الشهيقَ زفير..؟ ليس ذلك لك والذي لرحمته نحِنّ..
أتتعالين ..؟ ألا تعرفين قدرك ..؟ إن أوَّلَك لنطفةٌ مَذِرة ، وإن آخرك لجثة قذِرة ، وأنت بين هذا وذاك تحملين العَذِرة..
يا نفس انشغلي بالحق وإلا - فوَربِّك - لتُشْغلِنَّ بالباطل..فترفَّعي عن سفائفَ من شأنها جذبك لترتعي مع هوام الأرض ، وحقك السمو إلى مضارب البزاة..
يا نفس إنما الدنيا كماء البحر ، كلما ازددت شربا إلا وازددتِ عطشا..وإنْ هي إلا كالذي يريد أن يقيم ذيلَ الكلب الأعقفَ..
يا نفس إنما أنت أيام ، إن ذهب يوم انخرمت منك شظِيَة ٌ، حتى إذا تكاثرت الشظايا ، فإذا أنت جثة ٌهامدة قد لحِقت بركب الظاعنين..فلا تركَنِنَّ إلى أناس تكونين بين أيديهم كالبصلة ، يذبحونك ثم يذرفون بعدك الدموع..وابحثي لنفسك - يا نفس -عمن يقيم أوْدَها ويذوذ عنها أيادٍ مُغرضةٍ تتربص بها الدوائر.. واعلمي أن لك ربا يرقب منك الخوافي ، فمهما أخفيتِ عنه غير خافِ..
يا نفس إن الوقت أصناف ؛ زمن مضى بعُجَره وبُجَره فلا سبيل إليه ، وزمن في حكم الغيب قد لا تدركينه ، وحاضر بين يديك ، ليس لك منه إلا جزءٌ يسير آيلٌ للعدم ، ولست تملكين منه إلا ما يمكِّنك من استنشاق الهواء ، ثم لا تدرين أتكملين الشهقة أم تلفظين الروحَ والزفرةُ لم تكتمل ؟..ماذا لك إذن .؟ والحق يناديك أنْ : ( ..ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون) ، فوجب عليك أن تـُسلمي كل آنٍ ، حتى لا يدركَك هادم اللذات وأنت على لذة محرمة..
إن عقـَلتِ هذا – يا نفس – فالزمي ، وإلا فقد أبرأتُ ذمتي ، وأزحت عنها هما ثقيلا ، لتزداد حجة ٌعليك بعد الحجج..
وإن أبَيْت إلا التمادي ، فاعلمي أن الموعدَ أقربُ إليك من حبل الوريد...
*
*
*
ابن الشرق – 27 – 05 - 2009