إن محاولة المخالفين التمسح برسالة "تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك"، والاستدلال بها محاولة فاشلة؛ لأن السيوطي - على سعة اطلاعه رحمه الله - لم يذكر دليلا واحدا على هذا الأمر - لا صحيحا ولا ضعيفا - اللهم تأويله للحديث الآنف الذكر.
وليعلم هؤلاء المروجون لرسالته؛ أن الحجة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط، أما كلام العلماء فيؤخذ منه ويرد، والعصمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكما قيل؛ لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة.
ثم إن الناظر في مؤلفات السيوطي يجد أن "معظمها تلخيص لما يقرأ، وتبويب لما يطالعه، فهي تخلو من الأصالة والإبداع، وتغيب شخصيته العلمية في خضم الأقوال التي ينقلها، وكأنه تأثر بسمة عصره، فالإنسان ابن بيئته، ومن أمثلة ذلك أنه صنف رسائل ساير فيها ما شاع في عصره، كالأفكار الصوفية التي ليس لها عين ولا أثر في دين الله ولكنها توافق العامة، وهذه الطامة" [من ترجمة الشيخ سليم الهلالي للسيوطي، مقدما بها تحقيق كتابه الزجر بالهجر: ص 14].
إن ادعاء رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظة؛ مستحيل شرعا لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد مات، فادعاء حياته بعد موته وقبل يوم القيامة زخرف من القول وزور، ومخالفة صريحة لقوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}.
إن هذا القول مصادم لصريح المعقول.
ولا يشكل على ذلك أن الأنبياء أحياء في قبورهم وكذلك الشهداء، ولا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنه ترد عليه روحه حتى يرد السلام على من سلم عليه، فإن تلك حياة برزخية تختلف عن هذه الحياة، ولذا يقتصر في التعامل معها على ما وردت به نصوص الشرع.
فلو ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصحابة؛ لكان منقذا من فتن كبيرة، ومع ذلك لم يحصل هذا الأمر فكيف يترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهور لأفضل الناس وأجلهم بعده رضي الله عنهم، ويترك أعظم المصالح المتمثلة في جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفهم، ثم يظهر في آخر الزمان لأناس رموا منهج القرآن والسنة خلفهم ظهريا؟!
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه - على علو كعبه وجلالة قدره وشرف منزلته - يقول: (ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفارقنا حتى عهد إلينا بهن عهدا ننتهي إليه؛ الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا) [رواه البخاري برقم 5588، ومسلم برقم 2322].
فلو كان عليه السلام ظاهرا لأحد في يقظته لظهر لعمر، ولأزال عنه الحزن الذي اعتراه بسبب عدم معرفته لتلك الأحكام.
ولذلك لم يدع أحد من الصحابة، ولا من التابعين، ولا من القرون الثلاثة الفاضلة، ولا من العلماء المحققين؛ رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظة، فلا خير في قوم يظنون أنفسهم بالغي منزلة قصر عن الوصول إليها خيرة هذه الأمة.
ورحم الله إمام دار الهجرة حيث قال لمن أراد أن يحرم قبل الميقات: (وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) [الاعتصام: ج 1/ص 174].
وأي فتنة أعظم من أن يظن القوم أنهم سبقوا إلى فضيلة قصر عنها صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقال رحمه الله: (لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها) [الاعتصام: ج 1/ص 349].
ومعلوم عند أهل الاختصاص - كما نص عليه الحافظ في النخبة وغيره - أن من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام؛ فهو صحابي، ولو سلم بهذا الادعاء "لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة" [فتح الباري: ج 12/ص 481].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكل من رأى نبيا بعين رأسه فما رأى إلا خيالا) [الفرقان: ص 138]، انظر تفصيل القول في هذه القضية في مجموع الفتاوى [ج 27/ص 391 – 393].