ترانيم... إلى أمي
كتبت وجهك في بياض أوراقي وحلمت بين السطور, لم أجد لوناً يناسب لون بشرتك, فرسمت ملامحك بالحبر المعطر في ذاكرتي.
إذ ليس ثمة كلمات تصلح لك ثوباً.. أو حروف أحيك منها لك باقة ورد. فأغوص في عينيك البحيرتين.. بحثاً عن حروف جديدة, أكتب بها أمي!.
ماذا أقدم لامرأة.. بوزن أم???!
ماذا أعطيك في يوم عيدك... وأنت تعطيني عيداً في كل يوم?
ماذا أكتب لك.. وقد كتبتني بماء عروقك.
أأكتب لك شعراً.. والقصائد جمعيها تسكن في تجاعيد وجهك!.
هل أكتب عن الحارات العتيقة التي في ثوبك الفضفاض, أم عن الربيع الذي يتفتح في شقوق راحتيك, أم عن السنونو التي بنت أعشاشها في دفء صدرك.
هل استبدل بكلماتي الباردة.. نظراتك الدافئة, التي كبرت في فيئها.
أجل سأكتب لأكثر من امرأة.. وأعظم من رجل!.
لصدر أعمق من المحيطات وأوسع من البحار, وأبعد من السحاب.
أأشعل لك في عيدك شمعة.. وقد أشعلت كل أصابعك لتدفئي لحمي في البرد.
عذراً من اللغة... وقد باءت أحرفها بالفشل, عجزت أن تحصر هداياك.. بكل ما أوتيت من كلمات!.
فكل الهدايا.. يسهل تعويضها, عدا هداياك يصعب أن تُردّ.
.. ألم تفشل ريشة «بيكاسو» في أن ترسم ملامح أمه, في أن يردّ بعض جمائلها بلوحة, فأحرق أشعار فرشاته ورسم وجهها بأصابعه الحافية.. رسمها على ذراعيه وصدره, ليشعر بحرارة أنفاسها حتى بعد أن فارقت الحياة!
..ألم يبك «بونابارت» على قبر أمه, وقد عاد منتصراً من معركته: «أول انتصار لي كان على يد أمي.. حين علمتني كيف أمسك بالقلم»!.
أية وردة تشبهك.. وأنت الوردة التي لا تذبل في كل الفصول.
ماذا أفعل بكلماتي البخسة أمام صفحات عينيك التي تعلمت فيها أول الحروف, المرأة التي عشت في داخلها.. تسعة مواسم ربيع!.
لم يدفئني غطاء سوى راحتيها, ولم يروني نهر سوى ساقية عينيها, ولم يشفني دواء سوى لمسة من يديها.
هل أخبئ رأسي وراء القلم خجلاً, كما كنت أفعل في طفولتي.. حين تخونني الكلمات!.
المرأة التي لم أزل أشعر أمامها بأنني طفل.. حتى بعد أن كبرت. أخطىء.. فتغفرين لي, أبكي بين ذراعيك.. دون أن ينتقص من رجولتي شيئاً, فأشعر بنصر كبير.
أضع رأسي على ذراعيك لأستريح.. أية وسادة أرقّ من ذراع أمي!.
هل تكفي انحناءاتي لك الآن.. وقد أحنيت ظهرك ليستقيم ظهري, مددت جذعك جسراً لأعبر عليه, نصبت لي من قلبك مهداً أرقد فيه.
أمي.. أيتها الأرض التي تنبت فوقها أجمل الزهور, أي ضوع يفوح من ثنايا تجاعيدك, أي فجر يبزغ من عينيك الساهرتين.. وأنت تهزين لي السرير!.
الشجرة التي تسلقت أغصانها.. فضمتني,. أحنت عليّ بظلها على الممشى البعيد. أناديك أمي حين يشتد بي الوجع, أتدفأ بك حين يغمرني الجليد.
أناديك أمي.. فترقص البجعات في بحيرة القلب, وتفوح الكلمة بالعطر, فأينما تسير الأم.. تنبت في وقع قدميها الورود!.
لم ينتهِ الحب بعد.. فثمة امرأة, أدعوها.. أمي!!.
ا