بعد الخرجات المثيرة التي تأتي على لسان رئيس الحكومة، وعلى لسان وزرائه أصبح الخطاب السياسي المتداول يطرح أسئلة حقيقية عن حكامة تدبير الشأن العام،وعن مستقبل تدبير السياسات العمومية في بلادنا، وعن مسؤولية الوزراء فيما ينطقون به أمام الرأي العام.فبعد لغة العفاريت، والتماسيح ، والملوي، والبطبوط، والرايبي، والماخور،والثريات،...إلى غير ذلك من التوظيفات المعجمية المنحطة ، ها هو وزير التعليم العالي ، وفي خرجة جديدة مثيرة، يصرح خلال الندوة التي انعقدت يوم الخميس الماضي لإعطاء الانطلاقة لما يسمى بالبكالوريا المهنية أن "تلاميذ البكالوريا الأدبية خطر على مستقبل المغرب " وأن ارتفاع نسبة الناجحين هذه السنة ب9بالمائة خطر على مستقبل المغرب".
وحقيقة، لا ندري هل الخطر يرتبط بالبكالوريا أم بهذا النوع من التصريحات التي تأتي على لسان مسؤولين في الدولة ؟. ولا نعرف هل يزن وزراء بنكيران ما يصرحون به أمام الرأي العام أم لا؟، وهل يقيسون وقع تصريحاتهم على المجتمع ، وعلى الدولة أيضا؟.
وفي هذه النازلة، لنا أن نتساءل كيف يسمح وزير التعليم العالي لنفسه أن يطعن في شهادة مدرسية تسلمها وزارة التعليم( أي الحكومة) والحكومة هي المسؤولة عن تدبير السياسات العامة، والسياسات القطاعية للدولة(الفصل92 من الدستور)،والوزراء هم المسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية(الفصل93) ، و يأتي الوزير- وهو المسؤول عن السياسة التعليمية في القطاع- ويحكم على شهادة ترتبط بسياسة الدولة في قطاع التعليم ويعتبرها تهديدا لمستقبل المغرب. ولو جاء هذا التصريح على لسان وزير في حكومة تحترم نفسها في دولة ديمقراطية لخضع للمساءلة، أو أجبر على تقديم استقالته.فبغض النظر عن كون هذا التصريح ينم عن نظرة متخلفة للآداب، وللعلوم الإنسانية عموما،ويترجم موقفا تمييزا بين العلوم والأأداب، فهو مس مباشر وصريح بفئة عريضة من التلاميذ-الطلبة(وبأسرهم أيضا) لأنه يضرب في العمق آمالهم وتطلعاتهم ، ويقتل فيهم حب الدراسة، والمعرفة،بل انه يعدم كل تشوف إلى مستقبل مشرق في وطنهم، ويقتل فيهم كل طموح جامعي مشروع للنجاح والترقي الاجتماعي.واذا كانت زيادة 9بالمائة في عدد الناجحين في الباكالوريا تخصص آداب تشكل خطرا على المغرب، فنرجو ألا يحسبها بنكيران من مكاسب نصف ولايته الحكومية.
ويستوجب الذكر أنه إذا كان الحصول على البكالوريا في تخصص الآداب خطرا تنبهت له حكومة بنكيران، فالعيب في السياسة التعليمية التي تشرفون عليها.وإذا كان الخطر قائما فلكم أن تحذفوا شعبة الآداب من المسالك الدراسية، وتنقذوا الوطن من المخاطر التي تتهدده. ثم إذا كان الخطر المحدق بالبلد قادم من البكالوريا آداب، فهل نجحتم ياترى مع البكالوريات في تخصصات أخرى، وأمنتم للطلبة في الجامعات والمدارس والمعاهد كل حظوظ النجاح والاندماج المهني والاجتماعي؟.وإلا لماذا وعدتم المغاربة في تصريحكم الحكومي بتحقيق ما أسميتموه ب"الحكامة التربوية" ،فلم يزدد القطاع إلا أزمة وانهيارا بعدما سمعنا وزيركم السابق في التعليم يخاطب طفلة ليحثها على الزواج عوض الدراسة.وإذا كانت وزارة التعليم هي المسؤولة عن سياسة التوجيه المدرسي، فالمفروض أن تحاكموا سياستكم عوض التهجم على التلاميذ في لقاء رسمي، وتعتبروهم خطرا على البلاد. فكيف لدولة تحترم نفسها أن تسلم شهادة مدرسية، ويصرح الوزير بأن هذه الشهادة خطر على مستقبل البلاد.؟.
وحسبنا أن الخطر الحقيقي هو تناسل هذا النوع من التصريحات، وإطلاق العنان لخطابات لا تقتل الأمل في المستقبل فقط، بل تذكي فتيل التوتر، وتقتل الإحساس بالمواطنة الفاعلة، و تقبر تكافؤ الفرص، وحظوظ الاندماج المجتمعي.وفوق هذا وذاك، تعلن موت السياسة في زمن الاندحار