قسم فوق صفيح ساخن
-إهداء إلى الأخت hanane81-
أقلعت الصواريخ و الطائرات الورقية في كل أرجاء الفصل مباشرة بعد استدعاء المعلم من طرف المدير لغرض إداري طارئ ، فعرجت المروحيات و القنابل على الطاولات و تجاوزت النوافذ منفجرة فوق وجوه و رؤوس التلاميذ المستهدفين ...
استقرت مجموعة من النماذج المبللة بالماء و البصاق على سقف الحجرة الدراسية ، و استغل بعض التلاميذ هذا الوقت المستقطع لإجراء مسابقات بين ضفادعهم و بواخرهم و عصافيرهم الورقية ، في حين انهمكت فئة أخرى في اختبار قدراتها التخريبية و استعراض مهاراتها التدميرية على منشآت القسم الفقيرة من حنفيات فاسدة و مصابيح معطلة و نوافذ مكسورة و طاولات مهترئة مشققة بسبب كثرة ما نقش عليها من أسماء و رسوم و ألقاب و رموز حب ، وعبارات تجسد قذفا في حق هذا التلميذ أو ذاك المعلم حاملة في طياتها حوارا شفويا جنسيا بين كل من يتناوب بالجلوس على هذه الطاولة أو تلك ، كتعويض عن خصاص تربيتهم في هذا المجال ، وكتمرد عن غياب مادة أو حصة تهدف إلى تلقينهم مبادئ تربية جنسية سليمة ...
المهم أن التلاميذ كانوا يستغلون مثل هذه الفرص لإفراغ جام سخطهم على بعضهم البعض ، و على المعلم و على المنهاج و على المقرر و على المستقبل ...دون أن يعوا أنهم يفعلون ذلك ، فكانت الأحقاد والضغائن تتنامى و تتناسل و الأخلاق و المبادئ تنهار و تتداعى خصوصا وأن المعاشرة الروتينية و المعايشة الرتيبة في أجواء سلطوية استبدادية تسودها فترات سراح مؤقت و هنيهات ميتة يستهلكها المعلم في تلويث رئتيه بدخان سجائره الرخيصة تزكي من احتمالات خلق طقوس عنيفة ، قد تتطور فيما بعد إلى سلوكيات إجرامية أو ردود فعل سلبية شاذة ناتجة عن تيهان التلاميذ في دوامات عصبية صفية..
تشنجت أجواء الفصل و سرعان ما تراجع التلاميذ إلى الوراء وأرجعوا معهم الطاولات و المحافظ و كل ما اعترض فضاء حلبتهم التي تمركز وسطها تلميذان ،أحدهما يجسد شخصية " ماوكلي" و الثاني اختفت ملامح وجهه وراء قناع ورقي مدعيا أنه " النمر المقنع" و كانا متأهبين لخوض النزال الإقصائي الذي سيدخل غماره كل أقوياء الفصل متنكرين في أزياء وهمية و أقنعة تقريبية لشخصياتهم المتحركة المفضلة كـبربا شاطر " و " كابتن ماجد" و "جونكار " و " طرزان " و " خماسي " و " بن بن " في حين آثر الضعفاء اتخاذ موقع المتفرج المشجع للجميع ، أو موضع الحكم الصوري المنحاز للخصمين و الفاقد لسلطة الحكم و القرار ... حمى وطيس النزال و تأكد أن التلاميذ يستقبلون حوارات الشخصيات المتحركة و أفعالها بعواطفهم و أحاسيسهم و خيالاتهم و يصلون إلى مرحلة استظهارها و النسج على منوالها و الإبداع فيها بل و التبعية لها .وظف المتنازلون كل مهاراتهم وألاعيبهم و استعانوا بأسنانهم و أظافرهم فاختلط اللطم بالعض، و امتزجت الركلات باللكمات، و تطايرت الأسنان و الدماء ، و تورمت الأعين و الجفون و الشفاه... و مقاومة الخصمين تزداد و تدوم ، و هتافات المتفرجين تعلو و تحتد و تطول ... أخطأت لكمة متهالكة طريقها و أصابت وجه الحكم لترمي به فوق " إيكوسان"و الذي نقل بدوره أشواط النزال خارج الحلبة إذ لم يتمالك نفسه ووجه عضة دامية لأنف " بينوكيو "الطويل هذا الأخير استنجد بأصدقائه فتوسط الجميع حلقة الفصل و امتزج العدو بالصديق و القوي بالضعيف ، وعلا هدير اللغط و المشاجرة ...
استغل " بسيط" و "كعبول" الموقف من أجل نبش محافظ النخبة من أصدقائهم أما مجريات النزال فقد حسمت لصالح " رعد العملاق " و " الرجل الحديدي" " مجندلين كل " سنافر و نينجاوات" الفصل . هذا بالرغم من تدخل " التنين الصغير " لفك النزاعات و إخماد النزالات ، ومحاولات " الجيلالي " المتكررة لإرجاع التلاميذ إلى رشدهم و تحسيسهم بآدميتهم و هويتهم ...
حذر " زقزوق" أصدقاءه الذين اندمجوا مع أبطالهم المتحركين من اقتراب موعد عودة المعلم ، لكن دون جدوى ...
و دون سابق إنذار بوغت التلاميذ بمعلمهم يفاجئهم من النافذة المكسورة واقفا على رؤسهم ، ضابطا "سالي و ساسوكي و بيل و سبستيان "متلبسين منصهرين مع شخصيات مسرحيتهم الدرامية العنيفة حتى النخاع...لم يجد المسكين غير الإنبهار والحسرة والتعجب كمشاعرتنتابه لحظتها،ولم يقو على مقاومة أعصابه وضبط نفسه،فتوجه بخفة مثيرةنحو مكتبه وتناول من أحد أدراجه أنبوبا مطاطيا سميكا وهو يصرخ :"ألم تطفئوا تلفزاتكم بعد؟ألم تتخلصوا من أوهام تلك الخزعبلات الهدامة بعد؟"وبصوت جهوري مدوي ويد صاعدة هابطة زمجرصارخا:"غريندايزر...الصحن الدوار"واجساد التلاميذ تتلوي وتتراقص على إيقاعات رعده الأرضي ورزات عصاه المزدوجة...
إضافة:أخبرتني زوجتي المهووسة بعوالم الرسوم المتحركة قبل قليل ونبرة حزن وأسى تنتصر على صوتها و ملامحها أن غدا هو موعد الحلقة الأخيرة من بث سلسلة"سالي" على قناة سبيس تون. وإذ أورد إضافتي هاته ، فلكي أشكرها على الخدمة الكبيرة التي أسدتها لي في تعداد سلسلات الرسوم المتحركةالتي تابعتها.... ولا زالت تتابعها....