يقول الشاعر الفلسطينـي إبراهيـم طوقـان :
و قد كان معلما ولفترة طويلة :
شوقي يقول وما درى بمصيبتي *** قـم للمعلـم وفّـه التبجـيـلا
اقعد فديتك هـل يكـون مبجـلاً *** من كان للنشء الصغار خليـلا
ويكاد يقلقنـي الأّميـر بقولـه *** كاد المعلـم أن يكـون رسـولا
لو جرّب التعليم شوقي ساعـة *** لقضى الحياة شقـاوة وخمـولا
حسـب المعلـم غمَّـة وكآبـة *** مرآى الدفاتـر بكـرة وأصيـلا
مئة على مئة إذا هـي صلِّحـت *** وجد العمى نحو العيون سبيـلا
ولو أنّ في التصليح نفعاً يرتجى *** وأبيك لـم أكُ بالعيـون بخيـلا
لكـنْ أصلّـح غلطـةً نحويـةً *** مثـلاً واتخـذ الكتـاب دلـيـلا
مستشهـداً بالغـرّ مـن آياتـه *** أو بالحديـث مفصـلاً تفصيـلا
وأغوص في الشعر القديم فأنتقي *** ما ليـس ملتبسـاً ولا مبـذولا
وأكاد أبعث سيبويه مـن البلـى *** وذويه من أهل القرون الأُولـى
فأرى حمـاراً بعـد ذلـك كلّـه *** رفَعَ المضاف إليـه والمفعـولا
لا تعجبوا إن صحتُ يوماً صيحة *** ووقعت ما بين البنـوك قتيـلا
يا من يريـد الانتحـار وجدتـه *** إنَّ المعلـم لا يعيـش طـويـلا
قصيدة شوقي طويلة :
قُم للمعلمِ وفّهِ التبجيلا=كاد المعلمُ ان يكونَ رسولا
أعَلِمتَ أشرفَ او أجل من الذي=يبني ويُنشئُ أنفساً وعقولا
سُبحانكَ اللهم خيرَ معلمٍ=علّمتِ بالقلمِ القرونَ الاولى
أخرجتَ هذا العقل من ظُلُماتهِ=وهَديتهُ النورَ المبينَ سبيلا
و طبعته بيدِ المعلمِ تارة=صدئ الحديدُ وتارةً مصقولا
أرسلتَ بالتوراةِ موسى مُرشداً=وابن البتول فعلّم الإنجيلا
علّمتَ يوناناً ومصرً فزالتا=عن كل شمس ما تريدُ أُفولا
واليومَ أصبَحَتا بحالِ طفولةٍ=في العلمِ تلتَمِسانِهِ تَطفيلا
من مشرق الارض الشموسُ تظاهرت=ما بال مغربها عليه أُديلا
يا أرضُ مذ فقد المُعلمُ نفسُهُ=بين الشُموس وبين شرقِكِ حيلا
ذهب الذين حَمَوا حقيقة علمِهِم=واستعذبوا فيها العذابِ وبيلا
في عالمِ صَحِبَ الحياة مُقيّداً=بالفردِ مخزوماً به مغلولا
صرعتهُ دنيا المستبدّ كما هَوَت=من ضربة الشمسِ الرؤوسُ ذهولا
سقراط أعطىَ الكأسَ وهي منية=شَفَتيْ مُحِب يَشتَهي التَقبيلا
عَرَضوا الحياةَ عليه وهي غَباوةٌ=فأبى وآثرَ أن يموتَ نبيلا
إن الشجاعةَ في القلوبِ كثيرةٌ=و وجدتُ شُجعانَ العقولِ قليلا
إن الذي خَلَقَ الحقيقةَ علقماً=لم يُخل من أهلِ الحقيقةِ جيلا
و لربما قتلَ الغرامُ رجالَها=قُتِلَ الغرامُ كم إستَبَاح قتيلا
...
وإذا المعلمُ لم يكن عدلاً مشى=روحُ العدالةِ في الشبابِ ضئيلا
وإذا المعلمُ ساء لحظَ بصيرةٍ=جاءَت على يدهِ البصائرِ حولا
واذا أتى الإرشاد من سببِ الهوى=ومن الغرورِ فسَمهِ التضليلا
واذا أصيب القوم في أخلاقِهم=فأقم عليهم مأتماً وعويلا
...
وإذا النساءُ نشأن في أُمّيّةٍ=رَضَعَ الرجالُ جهالةً وخمولا
ليس اليتيمُ من إنتهى أبواه من=همِّ الحياةِ وخلّفاهُ ذليلا
فأصابَ بالدنيا الحكيمةِ مِنهُما=وبِحُسنِ تربيةِ الزمان بديلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له=أماً تخلّت او اباً مشغولا
...
إن المقصّر قد يَحولُ ولن ترى=لجهالة الطبعَ الغبيّ مَحيلا
فلرُبّ قولٌ في الرجالِ سَمِعْتُمُ=ثمّ إنقضى فكأنهُ ما قيلا