الوجه الآخر.. - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

الصورة الرمزية tijani
tijani
:: دفاتري ذهبي ::
تاريخ التسجيل: 27 - 3 - 2008
المشاركات: 1,512
معدل تقييم المستوى: 352
tijani في تميز متزايدtijani في تميز متزايدtijani في تميز متزايدtijani في تميز متزايد
tijani غير متواجد حالياً
نشاط [ tijani ]
قوة السمعة:352
قديم 06-12-2008, 10:08 المشاركة 1   
افتراضي الوجه الآخر..


الوجه الآخر..

كنت نائما..أحسست بأنفاس حارة تلف محياي ويد لطيفة تربت على كتفي ، فتحت عيني بصعوبة ، جاءني صوتها من المطبخ الصغير:
اتركه ينام! ياه!
جلست، كان قبالتي يبتسم ..يبش بوجهه.. يلوح بحلوى بيده اليمنى.. بسرعة هببت فعانقته وأنا أتلقفها .
هكذا هو..وجه مبتسم ..يد تقدم هدية .. وقلب يخفق بالحب الكبير.
رن الهاتف الذي كنت أنتظر في فرَق شديد، لم أعد أطيق سماع سمفونياته المفزعة ... لم أعد أشتهي أخباره، أنظر إليه كما أنظر إلى عدو ....
- ألو! لقد تمﱠ إسعافه أخيرا هنا بالمنزل. ممرض الهلال الأحمر هو من قام بالواجب، عند الفجر سنأخذه إلى الاختصاصي بمكناس..
كان صوته كالرصاص يخترق جدران الصدر.. به حشرجة خفيفة، سألت في ذهول :
-والطبيب؟
- لم يرد الخروج ..يقولون لا يحب العمل بالليل، طرقنا بابه أكثر من مرة ولا من مجيب.
عدت إلى الفراش.. أسندت ظهري على وسادة كبيرة وأغمضت عيني.أكاد أسمع أناته وصرخاته.. مذ أجريت له العملية الجراحية الأولى لاستئصال البروستات اللعينة وهو يتألم من وقت لآخر.. يشفى حتى نؤمن بشفائه ثم يعود إليه الألم حتى نقول لن يفارقه.. كنت أهرع إليه كلما اشتد به الألم، أرمي بجسدي المتخشب في سيارة..أصل وأنا أسابق الرياح برجلي الواهنتين، أدفع الباب بقوة وأتسلق الأدراج كقرد على الأغصان،أتجمد قربه ،أرنو إليه في صمت رهيب، كل أحزان الدنيا أجدها هناك قد تجمعت على شكل كرة من اللهب تتقاذفها جوارحي..ألاحظ عبرات ساخنة تتدحرج على خديه الغائرين ..أحس بغيمة تلف قلبي فأنسحب في هدوء.. امتزجت الذكريات برأسي المتعب ، ارتكست الذاكرة إلى الوراء أكثر، ككرة من حديد كانت تغوص في اليم ، جاءني صوت من قاع الذاكرة :
- التجاني! أبوك في انتظارك قرب السور .صاح صديقي وهو يدخل قاعة المراجعة.
أغلقت دفاتري بسرعة، مرقت بين أصحابي كسهم مصوب، كنت أحث الخطى ولم أتوقف حتى كدت أصطدم به هنالك في ظل شجرة وارفة الأغصان، عانقني وهو يكاد يهزني بكلتا يديه القويتين.. قبلني بحرارة كما يقبل أب رؤوم صغيره، قبلني كثيرا مع أني تلميذ في الإعدادية، جلس فجلست، مد يده إلى جيبه الداخلي وأخرج كسرة خبز محشوة لحما، ابتسم قبل أن يعلق:
-إنه لحم أرنب، أنا الذي اصطدته.. ذهبنا للصيد البارحة. ثم وهو يحرك أصابعه لتجسيد الأرقام تباعا: اصطدنا في المجموع أرنبين وخمس حجلات .
أبي صياد ماهر، كنت أرافقه في العطل أيام الأحد في مواسم الصيد، أظل أرمي بالأحجار الشجيرات الكثة القصيرة.."سـْـويسْ " كان يتشمـم ...يرقص بذيله واقفا بلا حراك كلما عثر على طريدة فيما أبي لا يني يصيح فيه: شيرْشْ ..شيرشْ ..لا أذكر كم مرة قفزت من الفزع لرفرفة سرب من الحجل فجأة ، ألتفت إلى أبي، أجده يصوّب فوهة البندقية بدقة في اتجاه السرب وهو يغمض عينه اليمنى... الطـّااااااوووْ.. تتجمد إحداها في السماء، تسقط كفردة حذاء بشكل عمودي مثير، يهرع سويس يحملها بين فكيه،يضعها أمامه وهو يلهث، بكل نشوة آخذها وأحزم عنقها بالشريط المضروب حول خصري.

بمصحة كورْ نـِيط، رائحة الأدوية تزكم الأنوف.. صرت أعرفها ركنا ركنا، الحارس صاحب البذلة الزرقاء الذي يذرع المدخل جيئة وذهابا ، في أول مكتب على اليمين ، تجد النصرانية ذات الشعر الأشقر القصير ، عيناها دائمتا الانغراس في شاشة الحاسوب.. صراخ وأصوات .. زوار يسيرون الهوينى وآخرون يحثون الخطى ..رنات هاتف.. قبل صعود الأدراج تلاحظ الرجلين منكر ونكير ، المسؤولين عن حمل المرضى إلى غرفة العمليات على نعش أبيض ، كم مرة رأيتهم مستلقين كالأموات .. ينظرون إلى السقف نظرات باهتة وصدورهم تعلو وتنخفض من الهلع، في زاوية ما تقف زوجة أو ابن.. والألم يعتصر القلب المرهف اعتصارا .. إنه عالم الوجه الخـفيّ ، عالم الدموع والحسرات والأنات.. دلفت إلى الغرفة، وجدته ممددا على السرير بلا حراك، أنبوب مطاطي صغير معقود في مكان ما بين فخديه، آخر مغروس في ساعده الأيمن يضخ في شرايينه ماء الحياة،وثالث مغروس جهة الصرﱠة لتنظيف المثانة بماء مطهر، كان أخي وحده من يقف بجانبه ، حتى الأحباب ملوا زيارته ، ثلاث عمليات جراحية متقاربة أنستهم المحبة الصادقة وقتلت فيهم المشاعر الطيبة. طبعت قبلة على جبهته في صمت ، تسمرت بجانبه مشدوها كتمثال ،كانت أناته تنطلق كرصاصات بندقيته ، لازلت أتذكر تصويباته الدقيقة ، كان رفاقه يلقبونه ب "الرامي ".. وكان منهم من يشتري له الخراطيش لاصطحابه معه ، ومساء كل أحد ، كنا نتلذذ باللحم البري الطري..نأكل حتى نشبع ..كانت المرات الوحيدة التي نشبع فيها من اللحم، أعياد كبيرة تهديها لنا بندقيته البهية ..
- آي! صرخ فجأة. تزلزل القلب وسط الصدر، تدفق الدم يجري في كل مكان، دنوت منه وقبلت يده في حنو.
- على سلامتكْ .. ما يكونْ عندك باسْ!
علق في ضعف :
-هلـْكوني أولـْدي ..طابْ لحمي ..ثم أومأ بعينين غائرتين إلى الأنبوب المشدود إلى وسطه :
التيـّو كايحـْرقـْـني بزّاف.. ماخصنيش نتحركْ..خص نبقى ناعسْ علْ الظهر مده.. آحْ !
- لا تتحرك ! رجوته في لطف، في التو دخل الدكتور بـِكري ، طأطأ برأسه وهو يلقي السلام كعادته ، ابتسم في وجه أبي وهو يتفحص اللون الأحمر الذي ينساب عبر الأنبوب ، التفت إلى الممرضة وخاطبها بالفرنسية قليلا ثم خرج.
همس أخي في أذني :
- لقد طلب ثمانية آلاف درهم ، بباقي المصاريف سنحتاج إلى عشرة آلاف درهم .
عدت أنظر إليه، ألفيته قد أرخى جفنيه، لم أشعر إلا وقلبي يسأل : أين الفتوّة يا أبتاه؟ أين سويس أيام زمان وأين شيرشْ ؟ صرت وردة ذابلة قد ذهبت نضارتها وغادرتها طراوتها..ذهب جمالها وتلاشت رائحتها.. صرت مجرد كومة من اللحم المترهل والعظم الهش..أين الشباب وأين الطلقات التي كانت تجعلني أقفز رغم أنفي يا أبي؟ كالأطلال صارت الجدران بعدك.. تحول البيت إلى قبر بارد . وهي؟ ليتك تراها يا أبت ! كعصفورة في الفلاة صارت.. لا تجد شجرة تحط عليها. أضحت المسكينة عنوان الأسى والعصبية ..لم تعد تستطيب الجلسات العائلية، تبادر إلى النوم كل مرة ، تتكوم تحت الغطاء كقطة مريضة، لقد انفرط العقد لغيابك الذي طال يا أبت!
أغمضتُ عيني قليلا وقد تهالكت على مقعد بلاستيكي، اغتالني الزمن وأخذ روحي بعيدا.. كنت عندها أشعر بشيء أملس يلحس وجنتي، فتحت عيني، وجدت يده تراقص عنقود فاكهة حب الملوك الناضجة الحمراء، انطلقت من تحت الغطاء كالصاروخ ، سارع إلى إخفاء الحبات وراء ظهره باسما :
- يا للهْ.بوسْـني هـْـنا، واضعا أصبعه على خده. بعد تقبيله سلمني الحبات الشهية، ثم بدأ يبتسم وهو يشير بعينيه إلى جيب معطفه، زحفت بجسمي الصغير نحوه نابشا، سارع إلى وضع يده على الجيب قائلا:
- عاودْ بوسني هنا ..بعدها يفرج عن إجاصة صفراء كبيرة أكاد لا أقبض عليها بيدي الصغيرتين، بقي هو يضحك ويضحك وهو يتفرج على حركاتي الرعناء..
لملمت أشلاء ذكرياتي البعيدة، قمت خارجا لقضاء بعض الأغراض، التحق بي أخي مستدركا في صوت خفيض:
- آه.. نسيت أن أحدثك عن التحليلات، يجب أن نؤدي ثمانمائة درهم، النتائج يوم الأربعاء المقبل..نتمنى أن تكون جيدة.
همهمت وقد غرست عيني في الأرض: الله إحفـظ ْ أخـْلاصْ!

زايد التجاني everyoneweb.fr/tijani










آخر مواضيعي

0 برلماني الشعب
0 وْصِـيّـه
0 صوتو علي
0 شوفو فعايل النسا -1-
0 الغفله
0 هـرَّنـْـدو
0 هدا كلامي ف المرا....
0 اسمع اسي أمين - 3-
0 اسمع أسي أمين -2 -
0 اسمع أسي أمين...


tayf lmaghrib
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية tayf lmaghrib

تاريخ التسجيل: 2 - 9 - 2008
المشاركات: 1,935

tayf lmaghrib غير متواجد حالياً

نشاط [ tayf lmaghrib ]
معدل تقييم المستوى: 391
افتراضي
قديم 06-12-2008, 11:33 المشاركة 2   

السلام عليكم
أسلوبك السلس أضفى على قصتك الواقعية نوعا من الجمالية
اختيارك للألفاظ المناسبة للحالات المختلفة كان موفقا
إلا أن ألاحظ تقريبا في كل نصوصك الاكثار من التشبيه هي فعلا خاصية فنية لكن من الأحسن ألا تزيد عن الحد المعقول
تحياتي وسلامي


[SIGPIC][/SIGPIC]

أبو المعاني
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية أبو المعاني

تاريخ التسجيل: 24 - 12 - 2007
المشاركات: 1,736

أبو المعاني غير متواجد حالياً

نشاط [ أبو المعاني ]
معدل تقييم المستوى: 376
افتراضي
قديم 06-12-2008, 12:03 المشاركة 3   

السلام عليكم أخي التيجاني.
اشتقنا لك ولمشاركاتك الجميلة.
جاءت قصتك هاته بطعم الإتقان أسلوبا ومضمونا.
تحياتي وعيدكم مبارك سعيد.


نورالدين شكردة
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية نورالدين شكردة

تاريخ التسجيل: 1 - 9 - 2008
السكن: فاس
المشاركات: 2,702

نورالدين شكردة غير متواجد حالياً

نشاط [ نورالدين شكردة ]
معدل تقييم المستوى: 466
افتراضي
قديم 06-12-2008, 13:44 المشاركة 4   

اهلا أخي زايد ..في اعتقادي المتواضع أرى أن القصص النابعة من رحم الحقائق والمعاناة يستحيل أن تأتي مجانبة للحبكة والروعة والسلاسة وصدق التأثير ...كونها كتبت وصاحبها يعيش حالة نفسية ما ويحاول عكس أحاسيس ومشاعر انتابته حقا فبات من السهل عليه تحويلها لجمل ونصوص مثيرة وصادقة...
أمتعتني "بوجهك الحقيقي"هذا وبلعبك على عتبات الزمن جيئة وذهابا....
موفق بإذن الله وشكرا على اقتسامنا وإياك أحزانك وأفراحك


محمد معمري
:: أديـب و مفكــر ::

الصورة الرمزية محمد معمري

تاريخ التسجيل: 24 - 9 - 2008
السكن: وجدة / المغرب
المشاركات: 2,371

محمد معمري غير متواجد حالياً

نشاط [ محمد معمري ]
معدل تقييم المستوى: 431
افتراضي
قديم 06-12-2008, 14:11 المشاركة 5   

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم زايد التجاني، على ما أظن أنها قصتك مع أبيك، ومستشفياتنا... الله يكون في عونه وعونك ويلهمكم الصبر...
القصص الواقعية دائما مؤلمة، ومعبرة...
مودتي وتقديري.

كل مواضيعي قابلة للنقد

محمد معمري اسم الشهرة: علاوي ياسين

[IMG]http://www.************/vb/image.php?type=sigpic&userid=30926&dateline=123453 5670[/IMG]
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الآخر, الوجه

« اقصوصة ..لحن حزين على اوتار مستعارة........... | أوراق مدمر أكاديمية »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رخص الولادة.. الوجه الآخر للهدر المدرسي karim123 دفتر المواضيع التربوية العامة 9 04-05-2009 12:28
الوجه الآخر hamad5 دفاتر عالم المرأة 2 30-03-2009 18:13
الوجه الآخر لحماس ابن الاسلام دفاتر الأخبار الوطنية والعالمية 4 03-02-2009 13:39
رأي صحفي حول برنامج الوجه الآخر.. the teacher الأرشيف 2 15-10-2008 09:12


الساعة الآن 16:18


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة