سامحني يا معلمي و اعذرني إن تمردت قليلا ولا تعتبر كلامي هجوما . لا أبدا بل هو دفاع, دفاع عن مهنة كاد ممتهنها ان يكون رسولا .فنحن أبدا لا ننكر أن التعليم ببلادنا يعاني نقصا مزمنا في كل شيء : في التجهيزات و البنيات والأجور والجودة و... لكننا نعاني أيضا نقصا في المعلمين ، نقص نوعي , معلمين حقيقيين يتسلحون بحب المهنة وحب البذل والعطاء. فلكم نحن فعلا لتلك الصورة المثالية للمعلم المثقف, الأنيق, المفعم بالحيوية’ المفتخر بمكانته و الذي يشع هيبة و وقارا، فيفرض احترامه على الجميع . هذه الصورة التقطت قبل عقود مضت لكنها مع الأسف لم تعمر طويلا فسرعان ما دخلت أرشيف الذكريات و أصبحت تحت عنوان كان يا ما كان . وتركت المكان لصورة شاحبة كئيبة تعكس كآبة معلمي اليوم , معلمين أنهكتهم رياضة الجري وراء الترقية وتسلق السلالم الإدارية , أبدعوا في حل الكلمات المتقاطعة ، وأصبحوا لا يتقنون سوى فن رثاء و هجاء مهنة التعليم. ولعل هذين البيتين خير دليل:
لا تعجبوا إن صحت يوما صيحة *** ووقعت بين الفصول قتيلا
يا من يريد الانتحــــار وجدته *** إن المعلـم لا يعيــش طويــلا
أبدا ليست هذه نهاية المعلم ولن تكون , فالمعلم الحقيقي يبقى حيا في قلوب الناس حتى لو مات. لكن معلمي اليوم بالغوا في الشكوى والتذمر حتى أنهم جعلوا من التعليم تراجيديا واقعية تقمصوا فيها دور الضحايا و المجني عليهم.لكنهم وبالمقابل أصبحوا يلعبون دور البطولة في ما تبدعه مخيلة التلاميذ من نكت وطرائف وكاريكاتيرات ساخرة و غيرها من" الإبداعات" التي جعلت من المعلم رمزا للغباء والبخل و الجبن .وهدا ان دل على شيء فانما يدل علي العلاقة المخجلة التي أصبحت تربط التلميذ بالمعلم, علاقة لا وجود فيها لمصطلحات من قبيل الاحترام و التقديرو التسامح ... أأسف لقول هذا... لكن اذا جعلت من نفسك دودة و داستك الأقدام فلا تلمن الناس. فرسولنا المغبون اخذته دوامة المشاكل اليومية فلم يعد يستشعر رقي مكانته ونبل مهنته بل ان هناك من أصبح يخجل من كونه معلما ويلعن الحظ العاثر الذي قاده الى هذه المهنة التي لم يعد يري فيها سوى سواد السبورة.
ليس واقع التعليم ببلادنا ورديا خاليا من المشاكل ، خيمة الظلام تحملها أعمدة متعددة ، لكن أليس أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام؟ وأنت يا معلمي مسؤول عن أجيال ، شباب تائه ، شعلة نائمة ، فأوقدها واجعلها تنير بحب العلم ,حب الوطن و حب الحياة ويكفيك فخرا أن تكون حامل شعلة الأمـــل ... أنت الأمل...
التلميدة : ريحانة الربيع/ 2009