مؤخرا قامت وزارة التربية الوطنية برمي الكرة النارية الملتهبة التي أججت موجات الاحتجاج وكان وعيد الاحتقان باديا بشكل جلي منذ إصدار المذكرة 04، سواء من خلال البلاغات النقابية أو عرائض الاحتجاج والاستنكار، أو التلويح بالمقاطعة من طرف هيئات تمثل أطر الإدارة التربوية و أطر المراقبة والتأطير التربويين. فإذا كان خروج دليل تقييم الأداء المهني لموظفي التربية والتعليم قد أثار كل تلك الضجة، واعتبره الكثيرون تسرعا وانفرادا وزاريا في القرار، فيبدو أن وزارة التربية الوطنية قد أدركت جيدا أنه لم يكن أبدا من العيب أو من الضعف أن يتدارك طرف مسؤول أمرا كان في حكم المرفوض أو المواجه بعاصفة من الاعتراضات والاحتجاجات، وإن كان هناك من ميزة أو تقدير إيجابي يمكن تسجيله لجهة حكومية في الآونة الأخيرة، فلن يكون سوى لوزارة التربية الوطنية التي تلقفت الرسالة بسرعة فائقة، وفكت الشفرة التي كانت تحمل بين طياتها وعيدا ربما قلصت ترجمته من حظوظ ما راهنت عليه الوزارة من الانخراط الشامل لكل مكونات المنظومة التربوية في المخطط الاستعجالي، الذي لن يتزحزح من مكامن التدوين والنصوص بدون هذه المكونات. طبعا هذا لا يعني بتاتا أن وزارة التربية الوطنية قد خرجت من دائرة الخطأ الوارد احتمالا، والملغي واقعيا وموضوعيا. فليس هناك فرد واحد يهمه مصير التعليم في بلادنا، وتهمه مصلحة نشئنا وأبنائنا يمانع أو حتى يجادل في ضرورة تحديث وتطوير أساليب وآليات وأدوات المراقبة التربوية وطرق كما سبل تقييم الأداء المهني لكل المتدخلين في العملية التربوية أينما كانوا وأنى كانت مستويات التدرج في مسؤولية تدبيرهم لهذه العملية. إذا كان الكل متفق حول إصلاح المنظومة التربوية الذي يجب أن يكون شموليا لا يستثني طرفا ولا جهة ولا فئة ولا حتى فردا. فليس هناك مغربي واحد ترضيه المرتبة المتدنية التي صنف فيها واقعنا التعليمي، وليس هناك فرد له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالشأن التربوي يجهل التراجعات الرهيبة في المستويات التعليمية والمعرفية لتلاميذنا، ولا حتى مستوى الخدمات التي بات يقدمها قطاع التعليم، سيان في الأمر بين الشكل والمضمون، بين الأداة والطريقة والمادة ومواقع التلقي وأمكنته. تراجع هم كل مكونات المنظومة، حتى صار الإصلاح والتقويم "منظومة" في حد ذاته. وإن كان من الطبيعي والعادي الارتكاز في ذلك على عصبها وعمودها الفقري الذي هو المدرس والمدير والمفتش. هؤلاء الذين تفرض طبيعة مهنتهم أشكالا خاصة من الأداء وأعمالا وظيفية يعتبر إخضاعها للتقييمات العادية والتصنيفات المتعلقة بالأداءات الإنتاجية والخدماتية ذات المردودية المادية والآنية، تعسفا وتقويضا لمهمتها الأساسية في تكوين العقول وتربية الأجيال. طبعا لابد من تطوير وتحيين وتحديث أساليب وآليات وأدوات تقييم أدائهم ومراقبتهم، وتتبع كما متابعة إنجازهم للمهام التي يتقاضون عنها أجورا، مع تحفيزهم وحثهم على الإبداع والابتكار وتطوير الذات وأساليب العمل. فهل بضمان حضور الأستاذ يوميا ولحظيا نضمن أداء جيدا؟ هل بمراقبة دورية أو سنوية وفق أي شبكة تقييم نضمن استمرارية في الأداء الجيد؟ وهل حقيقة الأستاذ في صيرورة أدائه وتواصله واسترساله أم هي في لحظة كتابة تقرير التفتيش وإنجازه؟ تلاميذنا يعرفون جيدا الإجابات الحقيقية، ويعيشون الواقع بكل حذافيره. إننا في حاجة ماسة اليوم إلى إيقاظ الضمير المهني، وتحميس الشعور الوطني، وترسيخ الوعي بخطورة وجسامة مهنة التربية والتعليم. نحن في حاجة اليوم إلى إشراك الجميع في المسؤولية، وإلى تنمية واستحضار وتغليب مراقبة الذات، التي لا تتحقق إلا بتعميم الإصلاح على كل المكونات والمنظومات المجتمعية، وكل دواليب الدولة. وليس هناك من مانع في أن يشكل قطاع التعليم قاطرة، ونموذجا أوليا لذلك وفق شروط ومقاييس متوافق عليها بين الإدارة والفرقاء الاجتماعيين. ولماذا لا يشكل التراجع عن تطبيق شبكة التنقيط لحظة تاريخية من أجل إعادة بنائها من جديد من خلال ورش وطني يستقطب كل الفعاليات المتدخلة في القطاع، تعمل مجتمعة في اتجاه إنجاز ميثاق شرف واضح وصريح، يحكم الجميع ولا يسمح لأي كان داخل القطاع بتجاوزه أو خرقه مهما كانت رتبته ومرتبته وموقعه الوظيفي.