معالي التلميذ، والوزير - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

الصورة الرمزية محمد معمري
محمد معمري
:: أديـب و مفكــر ::
تاريخ التسجيل: 24 - 9 - 2008
السكن: وجدة / المغرب
المشاركات: 2,371
معدل تقييم المستوى: 432
محمد معمري في تميز متزايدمحمد معمري في تميز متزايدمحمد معمري في تميز متزايدمحمد معمري في تميز متزايد
محمد معمري غير متواجد حالياً
نشاط [ محمد معمري ]
قوة السمعة:432
قديم 25-03-2009, 22:32 المشاركة 1   
افتراضي معالي التلميذ، والوزير

معالي التلميذ، والوزير


بينما أنا جالس على كرسي بلاستيكي أنجز تماريني على مائدة كذلك بلاستيكية، انتقيتهما من القمامة التي بجوارنا، تحت أضواء شارع النور لأن بيتنا كوخ صغير مرصود بالقصدير، لا يحتوي على الكهرباء ولا على الماء.. ومطالبين بالإفراغ... أثقلنا المعلم بالتمارين المنزلية كما أثقله المقرر.. وبالنسبة لي ليست منزلية، بل كوخية وشارعية...
أحتل وحدي هذا المكان! في ليل يكسوه السكون، لا تسمع سوى طقطقات الأحذية، ومناوشات من بعيد؛ وبين الفينة والأخرى يعكر صفو السكون الرومانسي هدير السيارات، وتزيده تلويثا خانقا... وكلما مر بجانبي المشاة إلا وصوّبوا نحو رأسي كُوّة مدفعيتهم، ثم يُطلقوا عليه بشارة نارية! ومن بين آلاف البشارات أبوح بثلاث منها:
- البشارة الأولى:«قم يا ولدي واذهب إلى داركم لم يبق تعليم في هذه البلاد...».
- البشارة الثانية:«قم يا ولدي وابحث لك عن صنعة، التعليم في هذه البلاد لا يساوي شيئا، ولن تصل به إلى شيء...».
- البشارة الثالثة:«قم يا ولدي دبّر كيف تهاجر سرا لتضمن مستقبلك كما هاجرت الأدمغة، والأميين.. فقط الأميون يزورون بلدهم سنويا، ويأتون بالعملة الصعبة، وأشياء أخرى... والأدمغة راحت ولم تعد...».
وأقل بشارة تسمعني قهقهات كأنها فرقعات تمخر موجاتها أثير عقلي... مع كل هذه البشارات، وحالتنا المزرية هيجت الوسواس الخناس في صدري.. من أين سأبدأ هذه التمارين، بل كيف سأبدأ، أو بالأحرى ما معنى البداية!؟ لعل هذه البشارات شبيهة ﺒﭬيروس التخدير الفكري! يلج ذاكرتي الفتية، ويتوالد بسرعة مذهلة.. سأقذف هذه الكتب، والدفاتر في مقالب القمامة التي بجوارنا، وأحتفظ بالمحفظة فارغة!... سوف أبحث عن صنعة! وأية صنعة!؟.. لا، الهجرة السرية أفضل، وهي الحل... هكذا البشارات عملت في ذاكرتي... وبين سبات ويقظة؛ وقفت بجانبي سيارة تلمع، وعيني تدمع، نزل منها رجل ذو حقيبة، وأنا أصابتني مصيبة.. وقال لي:
- معالي التلميذ، أنا الوزير! ماذا تصنع تحت هذه الأضواء الكاشفة؟
أجبته باحترام وتعجب:
- أنجز تماريني، ألا ترى!
فقال:
- معالي التلميذ، يشرفني أن ألتمس من سيادتكم الموقرة أن تفتحوا لي حوارا على مائدتكم المستديرة...
وأجبته على الفور:
- طلبك مقبول شرط أن لا تنظرني بعين الاستصغار، ولا تكلمني بلغة الاحتقار، ولا تزد وزري على ما تحمل من أوزار...
تبسم الوزير، وفرح أيما الفرح! وولد تواضعي وكلماتي في روحه معاني الحياة، واخضرّت أغصانه اليابسة، وانفتحت البراعم مبتسمة أملا أن تكبر فتصير ثمرة...
فتح الوزير حقيبته وأخرج منها كرسيّا بلاستيكيّا ووضعه بجانبي حتى لا ينظر لوجهي المظلم وقال:
- أي التمارين تنجز؟
أجبت:
- الحساب، والتاريخ، والجغرافية.
فقال لي:
- لنبدأ بالتاريخ.
قلت:
- لا، لنبدأ بالحساب.
فرن هاتفه المحمول وانشغل مع الكلام.. أما أنا فلم أستطع إنجاز الحساب لأن العملية تقول: [ اشترى أبي سيارة، ومنزلا و... ثمن الكلفة الإجمالية...]، لو اشترى أبي سيارة، ومنزلا، وكان له رصيدا في البنك ما كنت هاهنا مثقلا بتمارين لا محل لها من الإعراب، وبالهموم، وبالبشارات، وبانتظار الوزير حتى ينتهي من مكالماته.. أما التاريخ فكله أخطاء لا يمكنني أن أنجز هذه التمارين لأن النص يقول:[ بنى البحتري قصائده على بحر الرمل...]، لاشك أن هناك خطأ.. هل أراد أن يقول قصره!؟ لست أدري؛ أما تمارين الجغرافية يقول النص:[ لقد زرع أبو تمام الشعر في كل بلاد العرب...]، لا بد أن هناك أيضا خطأ؟ هل أراد بقوله: شعير؟ لست أدري!؟...
ثم غبت عن نفسي! فسبحت في البحار، وغصت في أعماق الأنهار، وكلمت روعة الطبيعة بين الأشجار والأزهار، وقرعت وترا من أوتار الحياة فردّ عليّ الصدى: إن الحياة مليئة بالأسرار...
ولما أقفل الوزير هاتفه سألته:
- لماذا أعرتني كلمة "معالي"؟ إنها كلمة من العيار الثقيل؛ وأنا جسمي نحيل، وعقلي لايزال بلا دليل...
فردّ عليّ:
- حسنا! لقد سئمت من هذه الكلمة، أسمعها في الوزارات، في البرلمان، من الصحافة، من الزوار، أقرأها في الرسالات، في الجرائد، في الصحف سئمت، سئمت منها لأنها رفعتني إلى مكان حيث تروني ولا أراكم!...
ورن هاتفه مرة أخرى إلا أنه ليس الهاتف الأول، والثاني، والثالث.. فغفوت.. ورفعني البساط إلى الأعلى، إلى حيث أرى الناس كحبات قمح، وحطّ بي في مراعي السراب، فسرت في حدائق النعمان بين السوسن والياسمين، وعساكر المروان تخبر الريحان بقدوم غلام تعبان، والراعي يستنبط من نايه نغما يجانس به خرافه، ولا يرد عليه سوى صداه، والنحل يصنع خليته السداسية، ثم يضع فيها العسل سرا...
وبعد انتهاء المكالمة، سألته:
- أيها الوزير، لماذا تركت البرلمان ونزلت إلى مائدتي!؟
أجابني:
- معالي التلميذ، إن البرلمان مقر الكلام، والكلام... ومائدتك مقر العمل، والعمل...
فرن هاتفه مرة أخرى؛ ورحت في سبات عميق راجيا أن يأتي الغمام بالغيث... وأملي أن ينساب ماءه إلى شفتيّ؟ تمنيت أن يكون الغمام مأوى لي لكي أحتمي من جذوة الأفكار؛ فتصفو سمائي، وتسكن رياحي، وتهدأ عواصفي، وتنقضي زوابعي فيكون بيني وبين الوزير حوارا ملغما تحت نبض الواقع المر.. الشرق مع الغرب التقيا.. شرود أم جدل؟
- أنزلت أيها الوزيرعلى مائدة معالي التلميذ كؤوس سحر، أم كؤوس فتنة؟ وأنت تعلم أن المائدة دون الكؤوس عارية...
طأطأ رأسه يمينا ويسارا وقال لي:
- على أي حال، ليس هذا موضوعنا؛ فلا تحرف مسار الحوار، فنبتعد...
فقلت له بلحن جميل:
- جميل منك هذا أيها الوزير؛ لنبتعد كي نقترب... والحوار حياة، والحياة كما ترى صدمات... لأعيرك كوخنا الصغير يوما واحدا، وانظر ماذا ترى غدا...
رن هاتفه المحمول.. لم تكن كلماته كالتي سمعتها من قبل! أتصنت ولم أستطع أن أميز من كلامه شيئا! ولكني اكتشفت أن للوزراء لغة، أو رطانة خاصة يفهمها جميع الوزراء في العالم دون أن يؤثر في ذلك اختلاف جنسياتهم...
فحنق الوزير هذه المرة، لم يستطع معي صبرا، صبرت سنينا ولازلت صابرا، صبروا قرونا وتركوا لنا ميراث الصبر، والوزير لم يستطع معي صبر ثواني معدودات.. صرخ في وجهي:
- الآن قرع جرس الحوار!! لنبدأ بالسؤال الأول:
* ما..........
قال ما........، وسمعت رنات تلو الأخرى، ولكنها ليست كرنات هواتفه المحمولة، لا أحدا يجيب؟ تقلبت يمينا وشمالا وإذا بي أسمع:
- مروان، مروان، بسم الله عليك يا ولدي، المنبه ينذرك وأنت لازلت نائما! لقد حان وقت الاستيقاظ والتيقظ يا ولدي، حان وقت الطهارة، وتغيير ملابس النوم، لقد حان وقت الفطور، والاستعداد للذهاب إلى المدرسة...

بقلم: محمد معمري









كل مواضيعي قابلة للنقد

محمد معمري اسم الشهرة: علاوي ياسين

[IMG]http://www.************/vb/image.php?type=sigpic&userid=30926&dateline=123453 5670[/IMG]
آخر مواضيعي

0 الحق والباطل
0 مؤلفات محمد معمري الرقمية والورقية
0 مؤلفات محمد معمري الرقمية والورقية
0 مؤلفات محمد معمري الرقمية والورقية
0 مؤلفات محمد معمري الرقمية والورقية
0 أمُّنا العربية
0 من شذرات محمد معمري
0 قصص قصيرة جدا
0 قبور بلا جثث!
0 ثورة أنثوية العالم


احمد امين المغربي
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية احمد امين المغربي

تاريخ التسجيل: 28 - 1 - 2009
السكن: المنبعثة من الرماد كطائر الفبنق........
المشاركات: 1,664

احمد امين المغربي غير متواجد حالياً

نشاط [ احمد امين المغربي ]
معدل تقييم المستوى: 355
افتراضي
قديم 26-03-2009, 16:52 المشاركة 2   

نبرات الصدق بادية في أسلوبك تأبى إلا أن تتحفنا كل مرة بما ساغ من نصوص دالة وقوية تهز الأحاسيس الجوانية ،أنا شخصيا أرى مثلك أن الوزراء في بلادنا دون بلاد بقية الخلق عبارة عن كائنات مخملية تعيش في عالم بعيد بعيد جدا عن واقع الكوخ،القصدير،..الخ ويبقى الحوار الذي دار بين الشخصيتين مجرد حلم إلى إشعار جديد عفوا :إلى حلم جديد أقصد.شكرا أيها المتألق.


محمد معمري
:: أديـب و مفكــر ::

الصورة الرمزية محمد معمري

تاريخ التسجيل: 24 - 9 - 2008
السكن: وجدة / المغرب
المشاركات: 2,371

محمد معمري غير متواجد حالياً

نشاط [ محمد معمري ]
معدل تقييم المستوى: 432
افتراضي
قديم 27-03-2009, 18:32 المشاركة 3   

نبرات الصدق بادية في أسلوبك تأبى إلا أن تتحفنا كل مرة بما ساغ من نصوص دالة وقوية تهز الأحاسيس الجوانية ،أنا شخصيا أرى مثلك أن الوزراء في بلادنا دون بلاد بقية الخلق عبارة عن كائنات مخملية تعيش في عالم بعيد بعيد جدا عن واقع الكوخ،القصدير،..الخ ويبقى الحوار الذي دار بين الشخصيتين مجرد حلم إلى إشعار جديد عفوا :إلى حلم جديد أقصد.شكرا أيها المتألق.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم أحمد أمين أشكرك على اهتمامك ومشاعرك الطيبة وتعليقك الذي أنرت به الموضوع...
مودتي وتقديري.

كل مواضيعي قابلة للنقد

محمد معمري اسم الشهرة: علاوي ياسين

[IMG]http://www.************/vb/image.php?type=sigpic&userid=30926&dateline=123453 5670[/IMG]

أم ايمان
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية أم ايمان

تاريخ التسجيل: 3 - 9 - 2008
المشاركات: 2,767

أم ايمان غير متواجد حالياً

نشاط [ أم ايمان ]
معدل تقييم المستوى: 475
افتراضي
قديم 28-03-2009, 08:45 المشاركة 4   

السلام عليكم
اقول صدقا انها من احسن ما قرات لك يا اخي معمري
قصة غريبة كما غرابة الاحلام فعلا تحذث فيها عن كل شيء .......عن كل موضوع ....اعجبني الاسلوب و في بعض المقاطع بدا لي غريبا بطريقة جميلة مقبولة ........فعلا انك اديب و مفكر
بالتوفيق


محمد معمري
:: أديـب و مفكــر ::

الصورة الرمزية محمد معمري

تاريخ التسجيل: 24 - 9 - 2008
السكن: وجدة / المغرب
المشاركات: 2,371

محمد معمري غير متواجد حالياً

نشاط [ محمد معمري ]
معدل تقييم المستوى: 432
افتراضي
قديم 28-03-2009, 14:16 المشاركة 5   

السلام عليكم
اقول صدقا انها من احسن ما قرات لك يا اخي معمري
قصة غريبة كما غرابة الاحلام فعلا تحذث فيها عن كل شيء .......عن كل موضوع ....اعجبني الاسلوب و في بعض المقاطع بدا لي غريبا بطريقة جميلة مقبولة ........فعلا انك اديب و مفكر
بالتوفيق
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أختي الكريمة أم أيمان أشكرك على اهتمامك ومشاعرك الطيبة وتعليقك الذي أنرت به الموضوع...
مودتي وتقديري.

كل مواضيعي قابلة للنقد

محمد معمري اسم الشهرة: علاوي ياسين

[IMG]http://www.************/vb/image.php?type=sigpic&userid=30926&dateline=123453 5670[/IMG]
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معالي, التلميذ،, والوزير

« الحرية ام الطوفان :د.حاكم المطيري- | قصة الخادمة المراهقة »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كلمات و معاني ...... radanfar دفاتر المواضيع العامة والشاملة 0 27-01-2009 16:00
معاني جميـــلة جدا hamad5 الأرشيف 1 16-01-2009 14:11
معانى بعض الزهور الفوقى اللغة العربية 2 20-12-2008 19:58
كلمات و معاني..... ابو سناء الأرشيف 8 24-09-2008 14:56


الساعة الآن 03:01


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة