(العولمة الثقافية ومأزق الهوية)
لاستكشاف آثار العولمة الثقافية سواء على سلوك الأفراد أو التنشئة الاجتماعية، سنحاول الإجابة على السؤالين التاليين:
1- هل نمتنع عن قبول نتائج العولمة وقد أصبحت قدراً محتوماً من العبث تجاهله؟
2- لماذا لا تتعامل معها كمكاسب إنسانية ونستثمرها في خدمة قضايانا المصيرية؟
وخطة الموضوع ستتناول ما يلي:
أولاً: مفهوم الثقافة.
ثانياً: مفهوم العولمة.
ثالثاً: العولمة الثقافية.
رابعاً: آثار العولمة الثقافية على السلوك والتنشئة الاجتماعية.
أولاً: مفهوم الثقافة:
العولمة: هي وحدة المعمور من الأرض في مجالات التفاعل الإنساني وهي ذات مدلولين:
1- مدلول سالب: هو تأثر المغلوبين بالغالبين.
2- مدلول موجب: هو الدور الذي يلعبه الغالبون في صناعة التاريخ بما يملكونه من أدوات استعمارية: غزواً بارداً (بالثقافة والاقتصاد) أو حاراً (بالعنف والاضطهاد)..
أن التنوع الحضاري والثقافي وتعدد المراكز الاقتصادية المتنافسة اليوم في مقدورها أو ادخال التوازن على العولمة، وذلك بحكم آليتين كانتا منعدمتين قديماً:
1- آلية التراجع بين سرعتي التأثير وإزالة التأثير، الأمر الذي يوفر فرصاً أكبر للصمود عند المغلوب.
2- آلية تحصيل الوسائل المنتظمة - ما كان يتطلب قروناً للحصول عليه، ومثلها لإزالته، صار الآن يحدث ويزول في أقل من عقد.. كل أمة مغلوبة تنتسب بالاستسلام إلى العولمة السالبة، وكل أمة غالبةً تنتسب بالإقدام نحو العولمة الموجبة، خصوصاً إذا كانت هذه الأمة الإسلامية قد سبق لها أن شاركت في تحديد آفاق الإنسانية لمدة ثمانية قرون على الأقل، ولم تفقد الطموح إلى مزيد من الإسهام...
ثانياً: مفهوم العولمة:
يقول الدكتور جلال أميننخن إزاء العولمة كالعميان إزاء الفيل.. كل منا في وصفه للعولمة على صواب تماماً، وكلنا مستعد للإقرار بأن للعولمة تأثيراً في الهوية الثقافية، ولكن من الطبيعي أن كلاً منا لا يرى إلا هذا الأثر الذي يصدر عن ذلك الجانب من العولمة الذي يلمسه بيده، ومن ثم كان من الطبيعي أن يختلف المحللون لظاهرة العولمة حول تحديد ذاك الأثر في الهوية الثقافية).. والاعتقاد الشائع بأن العولمة ظاهرة حتمية لا يمكن صدها أو الوقوف في وجهها، مردّه الإيمان بحتمية التطور أو التقدم التكنولوجي، لكنها أيضاً تحمل في باطنها شكلاً من أشكال الغزو الثقافي، أي قهر الثقافة الأقوى لثقافة أضعف منها..
ثالثاً: العولمة الثقافية:
هناك تفسيرات عديدة ممكنة لانطواء أي تقدم تكنولوجي على إمكانات القهر:
- قد تكون في سعي الإنسان لإثبات تفوقه على الآخرين، بامتلاكه دون غيره الأدوات المتاحة لمجرد الاستمتاع..
- وقد يكون تفسير هذه القدرة الكامنة للتكنولوجيا الحديثة بأن تصبح أداة قهر، ناجم عن زيادة درجة النمطية في عمليتي الإنتاج والاستهلاك..
أيا كان السبب، فمن المؤكد أن التكنولوجيا الحديثة، تحمل خطر إخضاع الإنسان للقهر وتهديداً لهويته، بشكل لم يتعرض له الإنسان عبر تاريخه الطويل...
رابعاً: آثار العولمة الثقافية على السلوك والتنشئة الاجتماعية:
تفكك بنية الأسرة جاء نتيجة تحولات اجتماعية وثقافية عميقة عصفت بها حداثة تعاملت معها بارتباك، والمظهر المثير هو فقدان الأسرة المتزايد لقدرتها في الاستمرار كمرجعية أخلاقية للناشئة، بسبب مصادر جديدة لإنتاج القيم وتوزيعها.. وبغياب الأسرة المتخصصة اختفت البيئة الصالحة التي تنمو فيها القيم والأخلاق الإنسانية، والنتيجة: أجيال من الشباب الضائع الحائر تفتقد إلى الحب والحنان، عصابات القتل والاغتصاب، أو الانتحار بالهرويين....... الخ.
كما أن الاضمحلال التدريجي للسلطة الأبوية في الأسرة، خلق الظروف المناسبة لـ(فقدان المناعة القيمي) وتلويث الخطاب الثقافي بمفردات استهلاكية تغتال - يومياً- ذاكرة الشعوب التاريخية...
لقد حقق الإنسان عبر مشواره الطويل، وبكثير من الألم والعذاب، الكثير مما يجعله يرتفع إلى مصافي الحياة الكريمة، ولا تفعل الثقافة الأميركية الضحلة اليوم، سوى إعادته إلى الصفر المكعب، وإرجاع الزمن إلى دورته الأولى، إلى العبث، اللا معنى، إباحة القتل وشريعة الغاب، وكل ذلك يجري أمام أعين الجميع.
لا تنسو الرودووودdd1