بقلم:عبد الحق لشهب
أنجز المجلس الأعلى للتعليم، منذ حوالي عشرة أشهر، دراسة عن مدى استيعابتلاميذنا في الابتدائي والإعدادي لما يتلقونه من دروس. وقد انتهت الدراسةإلى عدد من الخلاصات التي تبعث على القلق فعلا وتدل على أن «إصلاحالتعليم»، الذي هلّل له كثيرون في وقت من الأوقات، لم يكن بالفعاليةالمطلوبة، إن لم يكن أدى إلى كوارث حقيقية يتعذر تفادي نتائجها علىالمديين المتوسط والبعيد.
لا شك أن تنامي الوعي بقضايا المدرسة لا يرافقه البتة إرادة حقيقية معلنة على الأقل لبناء مدرسة مغربية متميزة ومفعمة بالحياة كما تخيلها الميثاق الوطني للتربية والتكوين. فلا يكفي أن نتبجح ونتشدق بالحديث عن المدرسة العمومية وجميع المغاربة يعرفون اليوم أن هذه المدرسة وصلت إلى الحضيض وكل الذين ينظرون للإصلاح يدرسون أبناءهم في مدارس البعثات الأجنبية والتعليم المدرسي الخصوصي. أما المدرسة العمومية فقد أصبحت أشبه بأقسام لمحو الأمية.
من بين النتائج التي انتهت إليها الدراسة أن الغالبية العظمى منالتلاميذ صاروا يجدون صعوبات كبرى في التعامل مع العمليات الرياضيةواللغات الأجنبية، إضافة إلى اللغة العربية التي لا يحسن كثير منهمكتابتها أو النطق بها. وبطبيعة الحال، فإن الدراسة لا تنتهي إلى أنالمسؤول عن هذا التردي هو الخيارات «الاستراتيجية» والتربوية العامة التياستند إليها «الإصلاح»، وإنما تحصر المسؤولية في «المستوى الضعيف لبعضالأساتذة» الذين «لم يستطيعوا مواكبة المستجدات على المستوى البيداغوجيولم يحسّنوا طرق اشتغالهم»
لم تتوقف الدراسة، مثلا، عند إثقال كاهل الأساتذة بالساعات الإضافيةالمجانية التي فرضت عليهم وأضيفت إلى ساعات عملهم المعتادة قصد التغطيةعلى توقف الدولة عن التوظيف في مجال التعليم طيلة سنوات، كما لم تتوقف عندالاكتظاظ الذي صارت تعرفه قاعات الدرس (أزيد من خمسين متمدرسا في القاعةالواحدة) الاكتظاظ بالأقسام بسبب العجز في توسيع الطاقة الاستيعابية للمؤسسات التعليمية، ونتيجة المغادرة الطوعية.وضعف الاعتمادات اللازمة لإصلاح وترميم المؤسسات التعليمية،قلة الوسائل التعليمية بالمؤسسات التعليمية،مشكل النقص الكبير في تعويض المتلاشى من الأثاث والتجهيزات المدرسية،نقص في عدد المطاعم المدرسية حيث لا يستفيد منها سوى 51 في المائة من المدرسين بالعالم القروي،قلة المنح الدراسية المخولة لتلاميذ التعليم الثانوي الإعدادي و الثانوي التاهيلي بالوسط القروي وخاصة الفتيات،ضعف مردودية النظام التربوي بسبب الهياكل التنظيمية التي تعتمد غالبا فيالتدبير العملي على احترام دقيق للمساطر والتوجيهات عوض الاعتماد علىالنتائج والتأطير والمراقبة
وضعف تأثير أنشطة الشراكة والتعاون.
-
الإشكالية المطروحة ومعها التساؤلات المقلقة التي يحملها كل من له غيرة على هذا القطاع، هو ما هي القيمة الحقيقية المضافة لهذا التقرير؟ وما هي البدائل التي اقترحها للخروج من نكبة التعليم؟
تقرير البنك الدولي أشار إلى أن تطور الميزانية الإجمالية المخصصة للتربية والتكوين، والتي ارتفعت إلى 6 % منذ سنة2001 أي 26% من ميزانية الدولة، لا تعني بالضرورة تقدم في المؤشرات النوعية ولا حتى الكمية، وهو ما تؤكده حالة المنظومة ببلادنا.
لأن تمويل التعليم يرتبط في جانب كبير منه بالمراقبة والتتبع والمساءلة على أساس النتائج المتوخاة، التقرير سكت عن كيفية صرف وتمويل المشاريع و الصفقات التي تقضم ميزانية التعليم...، خاصة وأن قضية المطاعم المدرسية لم تستتبعها أية إجراءات تدقيقية، كما هو الشأن في جميع ملفات الفساد المالي.
يحتل المغرب مرتبة مشرفة في مجال تمويل التعليم، و يتقدم كثيرا على بعض البلدان العربية الرائدة مثل الاردن وسوريا ولبنان... لكنه يحتل مرتبة متدنية في تجسيد مؤشرات الهندسة والحوافز والمساءلة، وهي المعايير التي اعتمدها البنك الدولي في ترتيب الدول، وهذا تناقض آخر.
والسبب الرئيسي يكمن في عدم تبني آليات المراقبة والإفتحاص والمساءلة والتتبع.
كتب على هذا القطاع الحيوي أن يظل حبيس تجارب عديدة، هي في واقع الحال مهاترات إيديولوجية غثة، يتقاذفها بعض المسؤولين و بعض الوزراء الحزبيون دون أدنى حس من الوطنية والمسؤولية والالتزام.
فمنذ بداية تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين كان بعض الوزراء الذين تعاقبوا ، يعزفون على ألحان تعميم التمدرس حتى أصبحت أغنية مشهورة لدى جميع العامة...الميثاق حدد هدف تعميم التمدرس في 2004، واليوم نتفق بإرجائها إلى ما بعد 2015.
الواقع، إن مغرب التقارير سيظل شغوفا بإنتاج وإصدار تقاريره المضادة لحركية المجتمع وحيوية النخبة في تناسق وانسجام تام مع تقديس الخطاب الدعائي ودرء قيم العمل المبدع والممارسة الجادة والالتزام الوطني الصادق.
إن ما تم إنفاقه وتبذيره في جميع هاته التقارير كان من الممكن استثمارها، في القضاء على بعض الاختلالات التي تحد من عجلة التقدم والتنمية الشاملة.
لكن السؤال الوطني المطروح، هو هل يتوفر صناع القرار على الوصفةالصالحة للخروج بالبلاد من عبودية التقارير غير المقروءة.و هل الإقرار بعدم الجدوى من المدرسة العمومية سيدفع أصحاب القرار إلى خوصصتها؟