السؤال النقابي لا ينفصل عن السؤال السياسي بل هو قرينه . لا يوازيه بل يمثله وينوب عنه . العمل السياسي في اعتقادي هو جوهر العمل العام بل هو الدم الذي يسري في عروقه لكنه يأخذ شكل الواجهة المعنية . بمعنى ، أن العمل النقابي كيفما كان هو عمل سياسي في الواجهة النقابية ، والعمل الجمعوي كيفما كانت طبيعته عمل سياسي في الواجهة الجمعوية وهكذا ... ومن تم فكل ممارسة نقابية هي ممارسة سياسية مهما كان نوع الخطاب الذي تمارسه فإما أن تدعم خيارات المستغل بكسر الغين وإما أن تدعم خيارات المستغل بفتح الغين .
ومن زاوية أخرى فإن العمل السياسي ليس هو العمل الحزبي والعلاقة بينهما علاقة الثابت بالمتغير ، فالسياسي ثابت والحزبي متغير. كما أن الحزب عبر مساراته التاريخية وتلويناته الإديولوجية المختلفة والمتنوعة بل والمتناقضة وجد من أجل ممارسة السلطة العامة أو على الأقل المشاركة فيها ، أما العمل النقابي فما وجد إلا بغاية تأطير قوى العمل وتحيين مطالبها في أفق تحسين أوضاعها العامة وإصلاح مناخ العمل على مختلف المستويات باعتماد مختلف الطرق المشروعة .
النقابة قد تدعم الحزب في برنامجه والحزب قد يدعم النقابة في مطالبها لكن أن يستغل الحزب النقابة كقوة ضاغطة أو كخزان للأصوات الانتخابية أو واجهة للاستقطاب وممارسة "القناعات السياسية " التي هي في الجوهر قناعات حزبية فهذه قمة الاستغلال في نظري بل أبشعها.
إن جوهر العمل النقابي هو سياسي ، والعمل السياسي في جوهره عمل تضامني تطوعي وخدماتي لذلك في اعتقادي تفتيت قوة العمل النقابي باللجوء إلى التفتيت والفئوية والتطاول على مبدأ الاستقلالية /المستقلة فهو في العمق ضرب للعمل النقابي في المقتل وهدية مجانية تقدم للقوى المعادية بل في الجوهر دعم لخيارات المستغل بكسر الغين لأنه المستفيد الأول من إضعاف قوة العمل .
أحترم الاختلاف لكني أكره التعتيم أما الحوار الجدي الهادف إلى تنوير الرأي العام النقابي هو ما نحتاجه اليوم . إن نتائج انتخابات 15 مايو تلزمنا بفتح باب النقاش واسعا بالحجم الذي يستوعبنا جميعا كمناضلين وكإطارات ومنظمات وفصائل لا من أجل وحدوية الزاوية ولا من أجل جماهيرية الراعي ولكن بوحدوية المطلب وجماهيرية أشكال النضال في مواجهة الذات أو مواجهة الأخر على حد سواء .
أعتقد أن كل من وقف بعمق على خصوصيات العمل النقابي المغربي منذ 1955 لن يستطيع مقاومة رغبته في التعبير عن المرارة التي فجرتها محطة 15 مايو كيفما كانت النتائج التي حصلت عليها النقابة التي يناضل من داخلها.
مع ألف تحية لكل الغيورين وبشكل خاص للأخت المعلمة هناء الصغيرة الكبيرة التي رجت كأسي فنضح .