تامر والنحل

[محمد معمري]

- تامر والنحل –

كعادته، تامر لا يضيع أوقاته في اللهو.. دائما يلجأ إلى جدول أعماله المسطرة ليتذكر ما عليه من الواجبات...
في مثل هذا اليوم يبحث عن الحشرات.. لقد استهوته من قبل الآيتين الكريمتين:
- (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ).
- (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
ما كان على تامر إلا أن يشد الرحال إلى مملكة النحل ليستكشف حياة هذا المجتمع العامل لعله يتعلم شيئا جديدا...
وقف تامر أمام الخلية العسلية، استعد النحل للسعه لأن رائحة "ثاني أكسيد الكربون" هي العدو وليس تامر؛ فتدخلت الملكة، وأمرت بأن لا يلسعوا تامرا لأنه جاء لطلب العلم والمعرفة لا للتخريب؛ طاعة النحل للملكة لازمة، فاستقبلوه برقصات الفرحة والحبور...
رحبت الملكة بتامر، وأجرى معها حوارا ثنائيا:
* ماذا تريد أن تعرف يا تامر؟
- كيف تعيشون؟
* نعيش وفق نظام اجتماعي يعتمد على الفرق الطبقي الذي يتكون من الملكة، والعاملات، والذكور. وتقدر مجتمعاتنا بحوالي عشرين ألف مجتمع.
- ما هي مميزات الملكة؟
* هي الأنثى المخصبة، تضع ما بين مائتين، ومائتين وخمسين ألف بويضة في السنة، وتتميز بالطول، وببقعة ملساء لامعة على السطح العلوي لمنطقة الصدر، وتعيش أربع سنوات إلى خمسة.. وعدم وجود الملكة في الخلية يعني لا وجود للخلية.. والمادة الملكية التي تفرزها تؤثر في العاملات وتخلق الحيوية في الخلية فيتجنّدن للعمل الدءوب...
- هل من الممكن أن تحل ملكة محل ملكة؟
* نعم، يمكن ذلك في ثلاث حالات فقط، الحالة الأولى عند عدم وجود ملكة بالطائفة، والثانية نسميها: إحلال ملكة محل ملكة، أما الثالثة فهي: حالة التطريد.
- عفوا أيتها الملكة، لم أفهم ما معنى هذه الحالات الثلاث؟
* عندما تموت الملكة مثلا أو تفقد كفاءتها بفعل السن أو فقدان أحد الأعضاء من جسمها... أو تصاب بأي خلل يجعل عملها غير متقون... تسرع الخادمات بتعويضها.. هذا ما قصدته بالحالة الأولى، أما الثانية فكأن يحدث نزاع بين الملكة الحقيقية والدخيلة عليها.. أما حالة التطريد يا تامر فتكون عندما تزدحم الخلية بالنحل والغذاء فتضطر الملكة للمغادرة مع عاملاتها بحثا عن مكان آخر فتقوم الشغالات بتعيين ملكة أخرى...
- أشكرك على هذا التوضيح. وإني أرى آلة لسعك مقوسة! ما السر في ذلك؟
* هذه الآلة أستخدمها فقط ضد الملكات اللواتي يردن الإحلال مكاني، كما أستعملها أكثر من مرة.
- وكيف لوجود ملكة واحدة وعرمرم من الذكور؟
* ما بين اليوم الخامس والعاشر من عمر الملكة، تنتظر يوما تكون فيه الصحوة الدافئة، غالبا أوقات الظهيرة، فتفرز من غذتها الفكية مادة تثير الغريزة لدى الذكور، ثم تطير بصوت يوحي إليهم باللحاق، وأسرعهم وأقواهم هو بطل اللقاح.
- كم توجد في الخلية من العاملات؟
* حوالي خمسة عشرة ألف نحلة في بداية فصل الربيع، ويتضاعف في أواخره، كما يقل في فصل الشتاء؛ وقد يصل في الخلايا العظيمة إلى تسعين ألف نحلة.
- وما هي مميزات الشغالات؟
* هي إناث عقيمات، وأصغر أفراد الخلية حجما، وأكثرها عددا وعملا وعطاء، وهي المسؤولة عن جميع الأعمال الداخلية والخارجية وفق برنامج زمني يتناسب مع عمرها.
- ما هي وظيفتها داخل الخلية، وخارجها؟
* داخل الخلية تفرز الشمع، وتبني القرص، وتغذي اليرقات، والملكة، والذكور، وتحرس الخلية، وتتكلف في فصل الصيف بتبريد الخلية وذلك بجمع الماء وخلطه مع العسل لترطيبها، وخارجها تعمل على جمع مادة "البروبوليس" لتسد به الشقوق... وجمع حبوب اللقاح، والرحيق من الأزهار لتصنع العسل...
- ما معنى "البروبوليس"، وحبوب اللقاح؟
* "البروبوليس" مادة تجمعها العاملات من براعم وقلف الأشجار، وحبوب اللقاح توجد داخل الورود، والزهور وتعتبر المصدر "البروتيني" الوحيد للنحل.
- كم تتطلب من رحلة لصناعة كيلو غرام واحد من العسل؟
* يتطلب ثمانية وأربعين ألف رحلة، وكل رحلة لا تقل عن خمس كيلومترات.
- لعل هذه المسافة تساوي ست دورات على الأرض! فكيف هو التركيب الجسماني لهؤلاء العاملات؟
* خلق الله، جل وعلا، لها جميع المهيئات لكي تقوم بأعمالها المنوطة بها. تميز الألوان بدقة فائقة، لها حاسة الشم قوية، وحاسة الذوق جد دقيقة؛ بفكوكها تضع الشمع، ومعدتها تشبه مخزنا مؤقتا لنقل الرحيق، والماء، والعسل، وبإضافة عصارتها المعدية تحول الرحيق إلى عسل.
- وكيف يتم ذلك؟
* تفرز غددها العصير اللبني الذي تغذي به اليرقات الصغيرة، ولها غدد تفرز رقائق صغيرة من الشمع من خلال فتحات على السطح السفلي للبطن والتي يوجد بها آلة اللسع التي تشبه صنارة لذلك تستعملها مرة واحدة فتموت...
- وفي حالة فقدان الملكة، هل هناك إمكانية التناسل؟
* سؤال مهم يا تامر، إذا فقدت الخلية الملكة تنتبه الشغالات لذلك إذا ما وجد البيض يقمن بتتويج ملكة جديدة، وفي حالة عدم وجود البيض تبقى الخلية بدون ملكة لمدة تتراوح ما بين ستة إلى ستة وعشرين يوما فتقوم العاملات بوضع البيض وهن " أمهات كاذبة " وقد يعطي بيضها الذكور فقط؛ كما أن هناك مجتمع إفريقي بيضهن ينتج ملكات، وعاملات، وذكورا...
- كم عمر هذه العاملات؟
* عادة خمس أسابيع، لأنها تكون قد أجهدت تماما.
- كيف تتطور البيضة إلى حشرة؟
* تعيش البيضة ثلاث أيام، تتحول بعدها إلى يرقة التي بدورها لا تتجاوز ستة ايام لتصبح شرنقة، وبعدها باثني عشر يوما تصبح نحلة، وتعمل داخل الخلية لمدة ثلاثة أسابيع تقوم بأعمال التنظيف وصنع الغذاء الملكي، وأيضا صنع الشمع، وبعد انتهاء أسابيعها الثلاث تعمل خارج الخلية...
- وما بال الذكور؟
* الذكور – اليعسوب - العناصر المخصبة في الخلية، عمرهم أطول حيث يتراوح ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، لا يملكون آلة اللسع، وإذا ما افتقرت الخلية للغذاء تلقي بهم العاملات خارج الخلية فيموتون جوعا...
- كيف يتم التفاهم بين العاملات، ومعرفة أماكن الرحيق؟
* لغتهن هي الرقص، فمثلا إذا أرادت مستكشفة تدلهن على مكان الرحيق، وحبوب اللقاح، ونوع الأزهار ترقص العاملة أمام زميلاتها الرقص الدائري الذي يعني أن المكان قريب من الخلية، أما إذا كان بعيدا فترقص على شكل ثمانية الذي يتناسب عكسيا مع مكان الرحيق، وعدد مرات الرقص تحدد بُعد المكان، أما نوع الأزهار فتحمله في جسدها فيشمونه ويعرفون نوعه، أما الاتجاه فالبوصلة هي الشمس...
- لماذا الخلية سداسية الشكل؟
* هذا مما علمنا الله، جل وعلا، الشكل السداسي يحفظ توازن الضغط ما بين جدار كل خلية...
- مما تتكون الخلية؟
* تتكون من أربعة أنواع من الغرف، هي الغرف الملكية، وغرف الذكور، وغرف العاملات، وغرف الانتقال بين الغرف، وكل غرفة عبارة عن أنبوبة مسدسة الأضلاع.. وخزان الطعام، ، والمخازن تشغل أربعة أخماس الخلية...
- سؤال أخير، الله، سبحانه وتعالى، قال إن في العسل شفاء للناس، كيف تفسرين هذا؟
* يتكون العسل من أكثر من خمسة عشر نوعا من السكر.. " ﭭﻴﺘﺎمينات".. "أسيد فوليك" وحمض النيكوتنيك"... تعتبر هذه أقوى وأنقى "اﻟﭭﻴﺘﺎمينات" التي يحتاجها جسم الإنسان ويمتصها بسهولة خلال ساعة من تناول العسل... كما توجد معادن وأملاح كثيرة... كذلك خمائر وأحماض هامة...أيضا هرمونات قوية منشطة فعالة... ومضادات حيوية...
شكر تامر الملكة شكرا جزيلا على حسن الاستقبال، وعلى ما أسدته له من خدمة لمعرفة مجتمعات النحل.
عاد تامر إلى منزله وهو يفكر في هذه المجتمعات العاملة، والمفيدة، والتي لم يروض منها الإنسان إلا أربع مجتمعات، وهذه النحلة العاملة لو أراد الإنسان بناء معمل يعمل مثلها، لكلفه بناية طولها من جنوب إفريقيا إلى أمريكا، وربما لن يتحقق له ذلك...

بقلم: محمد معمري

[أم ايمان]

لي عودة اخرى
موفق باذن الله

[الزبير]

شكرا لك على المساهمة العلمية المفيدة بطابع أدبي محكم
ننتظر من تامر مغامرات أخرى

[نورالدين شكردة]

كعادتك موفق ...فقط حاذر ألا يطغى الأسلوب العلمي على الأسلوب الأدبي...دمت في حفظ الله أيها المبدع المتألق

[محمد معمري]

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة imanaton لي عودة اخرى موفق باذن الله

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أختي الكريمة imanaton، أشكرك أولا على الإطلالة، ثم على وعد العودة، وأنا إن شاء الله في انتظارك.
مودتي وتقديري.