الإخلاص في اللغة هو مصدر: أخلص؛ يخلص: بمعنى جعل الشيء خالصاً، وحقيقته الشرعية ليست بعيدة من حقيقته اللغوية، ومن أجل ذلك عرّفه من العلماء من عرّفه؛ بأنه (تصفية الأعمال من شوائب قُصِد بها غير وجه الله سبحانه وتعالى) أي من أن يقصد الإنسان بعمل من أعماله أي غرض من الأغراض الدنيوية.
وقد جاء في كتاب الله تبارك وتعالى ما يدل على أن الإخلاص هو روح هذا الدين، ذلك لأن كتاب الله عز وجل جاء داعياً إلى ملة الإسلام، وهي استسلام العبد لله تبارك وتعالى، بأن يسلم العبد لربه عز وجل قلبه وعقله وجسمه وروحه وضميره وغرائزه، وقد عبّر الحق عز وجل عن ذلك بقوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ) وإن كان الضمير عائداً إلى أهل الكتاب؛ إلا في حقيقته يشمل جميع الناس، إذ هذا أمر رباني لا يختص به أحد دون أحد.
والله سبحانه يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (قل إني أُمِرتُ أن أعبدَ اللهَ مُخِلصاً لَهُ الدِّينَ) ويقول الله تعالى: (قلِ اللهَ أعبدُ مُخلصاً له دِينِي) فإذاً الأمر بالإخلاص وجّه إلى خير خلق الله؛ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي هو أرقى الناس ذروة في الخير، ولا يطاوله أحد من عباد الله تعالى.
فطوبى لمن ذاق طعم الايمان الصحيح، وحلاوة اليقين، وبرد الثقة في الحبل الموصول بينه وبين ربه لا ينقطع أبدا، مادامت كلمة التوحيد نور فؤاده، وضياء بصيرته، وعطر لسانه، وجلاء همومه وآلامه، حين يقول " لا اله الا الله محمد رسول لله " تصغرالدنيا فى عينيه، ويتضاءل كل شئ من المادة والمعنى في دنياه ، ويرى ما هو فيه مما ترضاه نفسه أوتعافه بركة وخيرا،لأن ذلك قضاء من لا يرد حكمه، وقدر الذى يختبر عباده بالخير وبالشر، بالصحة والمرض، بالعافية والبلاء، بالراحة والمشقة، بالغنى والفقر، وما قدره لعباده كائن لامحالة، فلماذا لا تطمئن الجنوب فى المضاجع، وتسعد العيون بما تشاهد من الآيات البينات والبراهين القاطعات على كمال رحمة الذى لا معبود بحق سواه، وليس للعباد معه نقض ولا ابرام، كامل المشيئة والارادة، عظيم السلطان، اليقين بوجوده وقدره وحكمه وإرادته غاية الأمان والسكينة والسلام، وكأن العبد الموقن مع أحباب الله فى نعيم الجنة مع رضوان مهما كان حاله، فهو يرى نفسه يملك كل خير ما دام مع الله قلبه ووجدانه وفكره وفؤاده، ينام على طاعة، ويستيقظ على طاعة، ويمضى
على سبيل معاشه متوكلا على خالق الأسباب والمسببات يرافقه إخلاص نيته، وحسن
توكله ملكان يحفظانه، ويدفعان عنه وساوس الملاعين من شياطين الإنس والجان الثراء فى قلبه، والنعيم فى روحه، والصبر دليله، والرضى رايته يتظلل بها ينظر بعين قلبه ويقينه الى خالق الأسباب ولا يلتفت إلا إليه سبحانه، فإن نجحت المقاصد شكر وحمد وازداد يقينا، وإن خانته الأسباب فهو مع الذى عنده كل شئ يرجو رحمته، ويخشى عذابه، ويسأل العون على كل ما يرضيه سبحانه من خيرالدنيا والآخرة .
طوبى لمن كانت عزته بالله، طوبى لأصحاب النفوس المطمئنة بالله لا يرون غيره، ولا يتوكلون على أحد سواه، ولا تخضع جباههم إلا فى مقام العبودية بين يدى صاحب
الحق الرزاق الوهاب المحيي المميت وإذا مرضنا فمنه وحده الشفاء، طوبى للمؤمنين
بلقاء الله، الراضين بقضائه، القانعين بعطائه، ذاقوا لذة العبودية فسكنت
نفوسهم واطمأنت قلوبهم، وارتاحت ضمائرهم، ووجدوا فى الخضوع والذل له الرفعة
والكرامة، والعزة والرحمة، يراهم الرحيم بهم حيث أمرهم فهم مع الله، ومن
كان مع الله فمعه كل شئ، فاللهم اجعلنا منهم .
نعم .. يعيش هؤلاء الأتقياء الأصفياء في معية الله لا يريدون سواه ومقصو دهم رضاه .. ولا يبتغون نعيما غير النظر إلى وجهه الكريم .. ونسألك اللهم أن تجعلنا ممن حفتهم عنايتك وأحاطت بهم لطائف قدرك وأن تعاملنا بما يليق بكرمك .. ونسألك اللهم أن تصلى على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات وتطهرنا بها من السيئات وترفعنا بها.عندك أعلي الدرجات إنك سميع قريب مجيب الدعوات . ونسألك اللهم أن تسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه تسليما... آمين .
قال الحسن البصري – رحمه الله - : تفـقـَّـد الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة والقرآن والذكر، فإن وجدت ذلك فأمضي وأبشر، وإلا فاعلم أن بابك مغلق فعالج فتحه.
اللهم إن كنت كتبتنا في أم الكتاب عندك أشقيّاء فامح عنا اسم الشقاء وأثبتنا عندك سعداء، وإن كنت كتبتنا في أم الكتاب محرومين مقتّرين على أرزاقنا فامح عنا حرماننا وتقتيرنا رزقنا وأثبتنا عندك سعداءً مُوَفقين للخير، فإنك تقول في كتابك: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ). (الرعد:39).آمين آمين آمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ