منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية - عرض مشاركة واحدة - من البيت إلى السفانا منها إليه
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية Hadrioui Mostafa
Hadrioui Mostafa
:: دفاتري جديد ::
تاريخ التسجيل: 26 - 11 - 2008
السكن: مجرة اللبانة /المجموعة اشمسية /الارض
المشاركات: 50
معدل تقييم المستوى: 0
Hadrioui Mostafa في البداية
Hadrioui Mostafa غير متواجد حالياً
نشاط [ Hadrioui Mostafa ]
قوة السمعة:0
قديم 13-12-2008, 14:18 المشاركة 1   
افتراضي من البيت إلى السفانا منها إليه

من البيت إلى السفانا، ومنھا إليه

كان كرير المكيف يعلو عابثا بأطراف الصمت في حين كانت موسيقى ناعمة كبسمات موج تھدھده
برقة لتلملم ما انبعثر منھ منبعثة من تلفاز ضخم من نوع ( ال. س. د ) متكئ بوقار ملكيّ على حائط
منمنم بورق زھري. قبالتھ، وعلى أرائك وثيرة كان أفراد العائلة جالسين، ينعمون في واحة من الرخاء
الصيفي جادت بھ تكنولوجيا الھايغ تيك !.
الجدة شبھ غائبة فاغرة فاھا محمولة على جناح وسن عميق. لا شك أنھا الآن تجري متحررة من
قيود الروماتيزم على ضفاف عالم مجھول الحدود... ! والجد عيناه مسبلتان ويداه ترتعشان تسحب
اليمنى حبات السبحة الفوسفورية والصلوات . والابن، ابنھ متوسطھما ، تداعب يده شعر ولد لھ.
والزوجة في استرخاء تام على أطراف الجلسة، مرفق على فخدھا يُسند راحة تحت الذقن. أمامھا
منبطحة بطنا طفلة تلعب بجدائلھا الشقراء.
أخذت الموسيقى تخف رويدا، رويدا بانتھاء الجنريك وطغى عليھا صوت رخيم للمعلق وھو يصف
المشاھد بلغة راقية وشاعرية من خير ألفاظ موليير .
غطت الشاشة صورة مكبرة لقطيع من الفيلة ترتع على ضفة نھر مساي ما را )وقت العشي صحبة
خليط من قطيع حمير الزرد وعشرات الغزلان. كانت الفيلة رابطة الجأش واثقة من نفسھا في حين
كانت تظھر على بقية القطعان نرفزة و رعب شديد تُظھره حركاتُھا وعيونھا .
وليد غزال جرّئٍ أو غرٍّ ! كان في وضع متقدم، لا مس بخطمھ صفحة الماء.بل ما كاد... حتى انبثق من
اللّج تمساحٌ كبير وأمسك بالصغير من الرقبة وجره إلى الأعماق ليخنقھ غرقا...
ندّت آنھا عن البنت الصغيرة صرخة ألم حادة أعادت الجدة النائمة إلى العالم الأرضي. والأم تمتمت: "
آه يا صغيري !"
الحدث المأساوي شتت قطعان الغزلان وحمير الزرد فلولا ، وخدش رباطة الجأش لدى الفيلة فتعالى
نھيمھا . لحظات وسكنت صفحة الماء وعاد الھدوء وعادت الأنعام للورد.
في الأفق الغربي كانت بوادر حمرة أرجوانية تخضب السماء الزرقاء بلون جميل وتلقي بشيء من
سربالھا على الأرض الجرداء لتكشف عن آية أخرى من آيات الصراع الأبدي بين الحياة والموت تحكيھا جثة أسد لفظ أنفاسھ صراعا على زعامة ظل أكثر من سنوات يمسك عليھا كما يمسك بالجمر بين مخالبھ.
الضباع التي كانت حتى وقت قريب تفر عند تحرك ظلھ وتھتز فرائصھا عند سماع زئيره تكر وتفر حولھ
وتعوي غير مصدقة أن قاھرھا البارحة ضعيف، جسده ملكھا... اليوم ! حالما وثقت من موتھ ھجمت
عليھ وشرعت تمزقھ وتتقاسم أشلاءه عن رضا وطيب خاطر.أكِل وأضحى أثرا بعد عين بعدما ملأت
بقاياه قانصات نسور.
المشھد خلخل شيئا من الصمت والسكون المخيمين على العائلة فجعل الأب يھمھم:
ـ ھا أنت أيھا الجبار تذوق من نفس الكأس التي أشربت منھا أجيالا. لطالما عظاما كسرت وبطونا بقرت، فھا قد استمتعت ! بلذة البقر لديك، عليك. !
ـ نعم ھو كذلك، يا عزيزي أتدري؟... بقدر ما آلمني موت وليد الغزال بقدر ما أحس الآن براحة شاملة
غسلت بفيضھا كدر أعماقي ! ردت الزوجة.
صوت شبيھ بحشرجة أردف :
ـ من ركب ينزل ، ومن سمن يھزل ،ومن ادعى القوة يموت بالذل
ـ صدقت يا والدي ، وعين الحكمة ما تفضلت بھ.
نكھة طبيخ لذيذ ضاعت في المكان، فصارت الشفاه تتلمظ والأفواه تتحلب والنظرات تتبادل غير أن
تعالي الموسيقى الجميلة من جديد يجعل ردة الفعل " البافلوفية "( 2) تخبو والانتباه الشارد تأسره
لقطة الأفق الدامي وقرص الشمس في أجمل تجلياتھ تتوسطھ جيدان لزرافتين متقاطعين راسمين
حرف : ( لا ) وكانھما يقولان لا للعنف !. في أقل من ثواني أضحى الغروب شروقا... فضُحىً وعامت
سھول "مساي مارا" في الضياء، وأظھرت لقطة قطيعا من بقر النو يغطي الآفاق عددا، يسير وظل
غبار يظللھ فوقھ سرب من أصناف الجوارح وعلى الجنبات كانت الضباع والكلاب الوحشية تنشر
الموت والفزع ، إذ بدھاء كانت تخاتل الأمھات وتسرق منھا عجولھا وتمزق لحمھا الغض في ثواني
وتتقاسمھ بشراسة ! بيد أن القسوة لم تثن قيد أنملة الموكب عن عزمھ، قد ظل ثابتا يسير قدما بين
حشائش السافانا وأشجار الأكاسيا نحو النھر ليعبره تطلعا لأرضٍ خضراءَ يانعة العشب، وھروبا من
أخرى لوحھا اللظى والھجير واستنزفھا القضم.
فجأة من بين الشجيرات تنط لبؤتان ضامرتان ويھجمان على دابر القطيع فيرتاع ويتحول تماسكھ
شيعا.
الضحية حددت سلفا من قبلھما ، كانت عجلا سمينا ،الأولى غرست مخالبھا في أردافھ فجعلتھ يسقط
قاعيا والثانية أطبقت كملزمة بفكيھا على عنقھ. خار المسكين وخار، وبكل ما أوتي من القوى حاول
النھوض والانفلات من الكماشتين لكن، كان محالا ينشد...لا مفر من قدر مرھونٌ لھ قضاءً، لحق
بالسيدتين ! فحل كان لھ شرف بداية الأكل وبعده حلت مجموعة أشبال جعلت تلعق الدماء المخضبة
للجسد وعلى أمتارغير بعيدة كانت مجموعة من بنات آوى وأعداد من صقور تجوس بالمكان .
القطيع، قطيعھ لم يعر اھتماما لخواره تكرم فقط بالتفاتة عند وقوف لبضع ثوان...لكن داخل البيت
الصغيِر بكت الطفلة وانتحبت، والطفل سار نحو التلفزة متوعدا، والأم صاحت وھي تمسح دمعات
طفلتھا وتھدئ من روعها: << أي ھمجية ذي؟ ھذا شيء مقرف يبعث على الغثيان >> والجدة
تمتمت<< لما لا يقتلون كل ھذه الوحوش، ھذه آلات القتل أو يجعلون بينھا وبين تلك المساكين سياجا >>
تعالت الموسيقى العذبة لكن، ظل صوت المعلق واضحا ، يقول:<< ھذا نموذج من يوم في رحاب إ إ إفريقيا << ذاك العالم المجھول>> .في اللحظة ذاتھا دخلت الخادمة وقالت:
ـ الغذاء جاھز يا سيدي...
بدون ولا استجابة متأخرة كان الكل واقفا، وعلى مائدة مليئة بالطعام تحلقوا. الطفل الصغير بمجرد ما
استوى انقض على سمكة كبيرة وفصل عنھا الرأس لكن أباه عالجھ بضربة خفيفة على اليد وأنبھ قائلا:
ھل صلينا أولاـ يا بطل ـ ؟ متى تعلمت الأكل والكبار لم يعطوك إذنا.
عفوا... أبي، الجوع أخذ مني كل ما تعلمت ، رد الطفل .
خيم سكون برھة كانت كافية للشيخ أن يجمع سبحتھ ويرخي راحتيھ مضمومتين ليصلي :
"إلھنا بارك في طعامنا ولمن أعده لنا ولينتفع بھ جسمنا ، وليقو انسنا. الھنا اعطنا السعادة لنحب
إخواننا ونحن نقتات من نفس الخبز "
ـ آمين ، رد افراد العائلة بتزامن.
سريعا شرعت الأيادي تنھش والأفواه تمش.
الزوجان استاثرا بفخد حمل حنيذ.
والجد لوى بجسد أرنب مسكر مع زبيب .
والجدة زوجي قطا مبخرتين.
والطفلان كان لھما السمكة المحشوة بالأرز.
ما كان شيء يسمع سوى خرير ماء منبعث من حوض سمك بالقرب تطاول على كل الأصوات.

1 زجا ل مغربي قديم شعره كان كلھ حكما. (سيدي عبد الرحمان المجدوب)
2 نسبة إلى بافلوف صاحب نظرية الاشراط والاقتران

الكاتب حدريوي مصطفى

الدار البيضاء في: يوليوز 2008_









آخر مواضيعي

0 فجر الحرية
0 انتـــــحــــاااااااااار
0 هي... وكلماتي
0 على المعبر
0 من البيت إلى السفانا منها إليه
0 العشاء الأخير
0 زوبعة فيزيائية