لا يمكن فصل حادثة تعرض الأستاذ سعيد لشكر، الأستاذ بالثانوية الإعدادية الإمام البخاري بعين الدفالي، للتعنيف بواسطة سلسلة حديدية على يد تلميذ، عن الجو العام المطبوع بتفشي سلوك العنف وسط اليافعين من أبناء المغاربة، وحتى كثير من الشباب أو الذين هم في سن الكهولة ... لا يمكن فصله أيضا عن المنظومة التربوية التي يشهد الجميع بإفلاسها، دون القدرة أو ربما الإرادة السياسية من أجل الصراخ عاليا أن "كفى" من هذا العبث بحاضر البلاد ومستقبلها...
هناك من له صالح في إنتاج مثل هذه العينات من الشباب، تضرب شبه الأمية أطنابها في عقولهم، محكومون ببدائية غريبة في سلوكهم، يتصرفون وفق غرائزهم الفطرية، يبحثون عن الأكل وقت الجوع وعن التغوط لحظة تنتابهم الحاجة البيولوجية، يفكرون بأنانية في أوضاعهم، ولا يملكون من لغة الحوار سوى جسدهم العنيف، ينتصرون به ولأجله لما يعتبرونه أنه مسا بشخصهم أو بكبريائهم...
لاشيء اسمه الجماعة في منظومة تفكيرهم، لا معنى للأخلاق، لشيء اسمه الصدق أو الاحترام، علاقاتهم بآبائهم علاقة غريزية، يحب والدته كما يحب الجرو والدته، لكنه حين يشتد عوده لن يتوانى عن معاشرته جنسيا، ربما ليس بهذه الصفاقة، لكن بموازاة تعرض الأستاذ المذكور أعلاه لعنف، طلعت علينا جرائد عديدة بأخبار عن الاعتداء عن الأصول، والتي تؤشر على تفكك منظومة القيم بشكل خطير في مجتمعنا...
الأخطر من هذا، حتى وهو يتجه نحو التعلم والقراءة، ففي اتجاه معارف ومواد لا تزيد إلا على شحذ هذا الجانب المنغلق والعنيف في ذهنه وشخصيته، مفهوم للدين منغلق على حقائق تابثة لا يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها، وحين تصطدم بالعلم أو العقل أو حتى بالسجال الحر، فلا مناص من استخدام العنف من أجل تغليبها ولو على حساب الحقائق العلمية الواضحة والبدائية...
لا يمكن فصل مضامين النزر القليل الذي يتلقاه المواطن المغربي في المدرسة عن هذا السلوك، وهي الفكرة التي قفز عليها الجميع وهو إما يجيش ضد الباحث أحمد عصيد، أو وهو يتضامن معه في حقه في حرية إبداء الرأي والتعبير...في مداخلته حول منظومة القيم في المجتمع، وعلاقتها بالمنظومة التربوية...
يبقى السؤال: لمصلحة من يتكاثر هذا الجيش؟ وهل المجتمع بكل مكوناته: دولة ومجتمع مدني غير آبه بهذه الظاهرة؟
في مراقبة للسلوك العام لهؤلاء الشباب، وفي التقرب أكثر من أشكال تنظيمهم، حين توحدهم فكرة بسيطة غير مركبة، الكرة مثلا بالنسبة للإلترات الذين عاثوا فسادا ذات خميس في البيضاء، أو الوطن الذي يتماهى بالنسبة إليهم مع الملكية بالنسبة لتجمعات البلطجية التي واجهت حراك العشرين من فبراير ، نستطيع تخمين شكل الخطر الذي يهدد مجالات الحوار ي هذا البلد، ونستطيع أيضا أن نخمن الجهات، أو تجمع المصالح الذي يغذي هذا النزوع ويمكنه تسخيره من أجل حسم صراع، المفروض فيه أن يحسم بالحوار البناء أو بالاحتكام إلى آليات الديمقراطية، لا الكتل البشرية المدجنة والفارغة فكريا وروحيا...
فقط يجب الانتباه أن تكاثر هذا "الجيش"، بنفس الوعي الغريزي الذي يستحضر جوعه وبرده وفقره، وبموازاة عدم قدرة المستفيدين من وجوده في تلبية حاجاته، سيؤدي به لا محالة إلى البحث عن سبل إشباع هذا الجوع، والخروج من ذات الفقر، ليس بالعمل والكد الذي ستستفيد منه البلاد، ولكن بالنهب والسطو، بشكل فردي و في هبات جماعية لن تذر ولن تبقي على أحد...
هل فات الأوان للانتباه؟؟؟ بكل اليأس أعتقد ذلك، ونحن نغتال الفكرة التي أراد متعقل أن يبسطها أمامنا: فساد منظومتنا التربوية.... في مقابل شحذ العنف الذي يطبع غريزتنا....
من له مصلحة في رعاية العنف؟ عبد العزيز العبدي كود
المواضيع المتشابهه
