الخاسر في حوار التعليم الخاص

الخاسر في حوار التعليم الخاص

بعد «صيام» طويل عن الكلام، خرجت نقابة التعليم الحر بالمغرب من جبة الصمت لتهدد محمد الوفا بسنة بيضاء، وهذا ليس غريبا عليها، باعتبار الجهة التي تدافع عنها وبحكم أنها تتحرك كلما رأت أن مصالحها المادية مهدَّدة، فهي آخر من يفكر في مصلحة التلاميذ، فلماذا لا تتحرك هاته النقابة من أجل الدفاع عن مصالح أساتذتها المداومين على الحضور والاشتغال
خارج كل القوانين والأعراف وفي ظروف مزرية وكارثية، باستثناء بعض المؤسسات؟.. إن الغيرة على المنظومة التعليمية والتربوية يجب أن تأخذ نمطا بنيويا متكاملا وليس تجزيء المقاربة النقدية وقراءتها وفق رؤية ضيقة..
لقد كان ذ وزير التربية الوطنية مصيبا في المذكرة المعنية لمّا وضع أصبعه على جسد المدرسة العمومية المكلوم، نظرا إلى الهجرة الجماعية للأساتذة العموميين إلى المؤسسات الخاصة، كما أنه أصاب من حيث إنّ من شأن هذه المذكرة أن تفتح آفاق العمل للآلاف من الخريجين العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات، شريطة تكوينهم وضمان حقوقهم كاملة دون نقصان أو لامبالاة. وقد يُغري هذا حمَلـَة الشواهد المضربين قبالة البرلمان، بشرط أن تـُعطاهم العناية التكوينية اللازمة وتـُمنحهم كافة الحقوق التي يستفيد منها رجال التعليم العمومي..
والسؤال الذي أرّقني، منذ قرأت البيانات الغريبة للنقابة، هو أين كانت هذه النقابة طيلة سنوات؟ ولماذا لم تقم بتكوين شباب يضطلعون بدورهم التربويّ؟ ولماذا لم تضغط على وزارة التربية من أجل دمجهم في المراكز التربوية، إذ كان ذلك سيوفر يدا عاملة مدربة وغنية بالمعارف والمهارات البيداغوجية.. مؤسف جدا أن النقابة لا تنظر إلا إلى مصالح «اللوبي» الذي تمثله، وأنها ليست معنيّة بقضايا التلميذ.هناك فساد كبير في القطاع، مما يُحتـّم على الوزير، أولا، مواصلة منطلقات الإصلاح التي بدأها، كما عليه أن يفتح أمام منظومة التعليم الخاص كلَّ السبل من أجل استفادة شغيلة القطاع من التكاوين والاهتمام بهذه الأيادي الشابة التي قبلت، بمرارة، العملَ في القطاع الخصوصي دون اللجوء إلى الوقوف قرب البرلمان وإزعاج الدولة، رغم أن هذا من حقها.. والغريب أن الدولة لم تفكر، إلى حد الآن، في دمج أساتذة التعليم الخاص في مؤسسة محمد السادس للتربية والتكوين، فهي تعيش أوضاعا سيئة ومُهدَّدة بالطرد دون أسباب موضوعية وليس لها الحق في الحصول على قروض السكن أو أي امتيازات أخرى..
إذا كان من حق نقابة التعليم الحر التصريح والتهديد، حسب مصالحها الخاصة، وهذا حق دستوري لا غبار عليه، فإنّ عليها أن تفكر في رجالاتها ونسائها أولا.. وكما يقول المثل اذا أردت أن تكسر نافذة جارك فاعلم أن لديك نافذة كذلك.. وأضع أمام القارئ بعض سلبيات الاشتغال في القطاع الخاص في نسخته الحالية، في انتظار تدخل الدولة لحماية مواطنيها من جشع بعض أرباب العمل:
-عدم الاستفادة من صندوق الضمان الاجتماعي -العمل ساعات طويلة ومنهكة -بعض المؤسسات لا تمنح التعويض عن عطلة يوليوز و غشت -الاشتغال بأجرة تحت السميك -التحرش الجنسي ببعض الأستاذات -الطرد في أي وقت ودون سبب واضح - حرمان الأستاذات من إتمام فترة الأمومة -التصريح لدى الصندوق بالأجر غير الحقيقي -عدم الاستفادة من الترسيم الذي ينص عليه قانون الشغل..
هذه بعض أزمات التعليم الخاص، والتي زادت من شراهة المستثمرين للإقبال عليه لغياب مراقبة صارمة من طرف الوزارة، وكذلك لأن شغيلة هذا القطاع متشرذمة وغير واعية بحقوقها وليست لديها أي نية للدفاع عن هذه الحقوق، من هنا تتهاوى فكرة الغيرة على العملية التربوية باعتبار أن الوازعَ الماديّ حاضر بقوة، بل أصبح للأسف هدفا رئيسيا يُغري كل من جمع حطام الدنيا وأراد أن يستثمر هذا الحطام، وأشير هنا إلى أن هناك مؤسسات كبرى تحترم القانون وتوفر كافة شروط العمل وتضع نصب عينيها خدمة التعليم، وهي قليلة وتحاول جادة إعطاء صورة مثالية عن الاستثمار في مجال حساس جدا وذي قيمة كبيرة، بل هو القاطرة الحقيقية للتطور.



سعيد الشفاج

• المساء التربوي