مدارس لأبناء الأسر الحاكمة للتدريب على أصول الحكم وقفة مع التجربة المغربية
قضية للنقاش مدارس لأبناء الأسر الحاكمة للتدريب على أصول الحكم وقفة مع التجربة المغربية
فكرة الكاتبة والرائدة نورية السداني التي أوضحتها في المقال الذي نشرته في «القبس» الأسبوع الماضي تحت عنوان «حبذا لو أعيد مجلس العائلة الذي أسسه صباح السالم» تستحق الدراسة والمتابعة.
فدعوتها الى انشاء مؤسسة خاصة مهمتها اعداد قادة المستقبل من الجيل الجديد من أبناء الأسرة وتدريبهم على اصول الحكم وممارسة السلطة واتخاذ القرار، تصب في النهاية لمصلحة تدعيم نهج الديموقراطية والعلاقة مع الشعب من منطلق ترسيخ الركائز وضمان استمراريته وثباته، وذلك وفق مجموعة من الأعراف والقواعد والقيم الدستوية.
الاقتراح أعاد الى الذاكرة تجربة الملك محمد الخامس في المغرب وهي تجربة متفردة في العالم العربي عندما أنشأ المدرسة المولوية أو الأميرية ووظيفتها. تنحصر في تكوين ولي العهد والأمراء لكن داخل فصل مكون من تلاميذ ينتقون من أبناء الشعب ليكونوا رفقاء دراسة ولي العهد. وفي الغالب يتحول هؤلاء الرفقاء الى رجال دولة مقربين يساندون ولي العهد حينما يصبح ملكا يتولى الحكم. وفي عهد الراحل الحسن الثاني كان أحد مدرسيه في المدرسة المولوية لا يكبره كثيرا في السن وهو الأستاذ عبد الهادي بوطالب أحد مستشاريه الخاصين. وقد اختار الملك محمد السادس بدوره من بين رفقاء دراسته في المدرسة المولوية مساعديه ومستشارين مثل «فؤاد عالي الهمة» وزير الداخلية السابق ومحمد رشدي الشرايبي أحد مستشاريه الخاصين وحسن أوريد الناطق باسم القصر سابقا ووالي منطقة مكناس حاليا.
وفي بداية الموسم الدراسي لعام 2008، دشن العاهل المغربي الملك محمد السادس دخول ولي العهد «مولاي الحسن» للمدرسة الأميرية، وهي المدرسة التي ستتكلف بتعليمه وتربيته. ويتكون القسم الذي سيدرس فيه من خمسة أطفال، وتضم كتابا لحفظ القرآن الكريم وحصصا أخرى منها حصتا اللغتين العربية والفرنسية.
جرت العادة المتبعة منذ انشاء المدرسة المولوية أن ينتقي الملك أطفالا من أبناء الشعب للدراسة، وقد حافظ الملك محمد السادس على هذا التقليد. وتقع المدرسة الأميرية وسط القصر الملكي في العاصمة الرباط، بحيث تضمن لولي العهد تعليما يجمع بين التعليم المتبع في المدارس المغربية ثم برامج التعليم المتبعة في مدارس أجنبية خاصة الفرنسية، مع حرص كبير على دروس دينية خاصة حفظ القرآن.
ويشرف حاليا على ادارة هذه المدرسة مسؤول سياسي في حزب التجمع الوطني للأحرار يدعى عزيز الحسين، وقد التحق بهذا المنصب منذ أسابيع. وكان الحسين وزيرا "للوظيفة العمومية» أيام حكومة رئيس الوزراء الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي ثم شغل منصب سفير المغرب في دولة الامارات العربية المتحدة.
من يصنع القادة ؟
التقليد المغربي خاصية غير معمول بها في الدول ذات الأنظمة الملكية والوراثية في العالم العربي، فأبناء الحكام والأمراء والملوك يدرسون في مدارس مختلطة لكنها ذات مستويات عالية ومنهم من التحق بكليات محددة كالكلية الاسلامية في عمان أو كلية فكتوريا بالاسكندرية، وهؤلاء أبدوا حرصاً شديداً على أن يلتحقوا بكلية سانت هيرست في بريطانيا أو الجامعات الأميركية والبريطانية وان كان البعض درس في الجامعات الأميركية في بيروت والقاهرة. التحصيل العلمي ينظر اليه من زاوية التأهيل العالي لرجالات سيتولون مواقع قيادية في الدولة مستقبلاً وهو ما يطرح السؤال الى أي حد ستؤثر المدرسة والجامعة على شخصية الدارس، وما هي قدرة هذه الجامعة على صقل وتكوين شخصية قيادية بمواصفات تؤهلها لمناصب عليا في الدولة التي ينتمي اليها؟ وهل الجامعات ذات السمعة والتاريخ الأكاديمي العريق تصنع مفكرين وقادة بالعمل السياسي، أم أن المدراس الخاصة على النمط المغربي أكثر جدارة ومسؤولية سيما وأنها تضع مناهجها وأساتذتها وتدريبها على تكوين شخصية مؤهلة للحكم وهذا هو الفرق بين الحالتين؟
محور الفكرة يدور حول مستوى التأهيل ونوعيته والثقافة التي سيتأثر بها، وعن أي ثقافة هي تلك؟ فالانسان أيا كان هو نتاج لما يرثه من أسرته وآبائه وما يكتسبه من البيئة التي تحيط به، فالبيت يبذر البذور الأولى للحياة ويتركها للتربة التي تعيش فيها كما يقول المفكر أحمد أمين في كتاب «حياتي».