محمد فائد
إن المجتمعات لا ترقى إلا بقيمها وأصولها، ولا تكتمل سعادتها إلا باحترام تقاليدها وهويتها. والأمة التي تستنبط نمط عيشها من غيرها، تبتعد عن أصالتها وحقيقتها وتفقد القدرة على الوجود بنفسها، ولن تعود إلى أصلها لجهلها بمكوناتها. لهذه الأسباب جميعها، توجب على الإنسان المغربي أن يهتم بثقافته وتاريخه على كل المستويات، ومن بينها، إن لم يكن من أهمها، ثقافته الغذائية؛ لذلك سنحاول، في هذا المقال الأسبوعي، التطرق إلى أهم التحولات الغذائية التي يعيشها الإنسان المغربي وما تحمله بين طياتها من أمراض فتاكة تشكل خطرا حقيقيا على صحته.
الكسكس من الوجبات الرئيسية المعروفة منذ القدم والتي لا تغيب عن المائدة المغربية، خاصة يوم الجمعة. وذكر المؤرخ شارل أندريه جوليان، الكسكس في كتابه «تاريخ شمال أفريقيا»، حيث قال: «اشتهر الأمازيغ في كل العصور بقوة بنيتهم وطول أعمارهم، والواقع أن الذين لايزالون إلى اليوم يثبتون هذا (التبذير المريع للأنفس البشرية) هم من طينة ممتازة، وقد كانوا قنوعين ونباتيين في غالب الأحيان، وقد كان الفلاحون يأكلون الكسكس منذ العهد الروماني».
لذلك، فالكسكس أصله أمازيغي بالمغرب، وتعد المناطق المحاذية للأطلس أول من حضر هذه الوجبة التي توجد كذلك بعدد من بلدان شمال إفريقيا. ومن صفات الكسكس المغربي القديم أنه كان يُدهن بزيت الزيتون، وكان يُطبخ باستخدام القمح الصلب، إضافة إلى تدقيق النساء في الخضر، بحيث لا يستعملون سوى تلك التي تتزامن مع موسمها، بل إنهن كن يستعملن «البطاطس الحلوة» عوض البطاطس المعروفة، وذلك لقيمتها الغذائية العالية.
المغاربة سابقا كانوا يتجنبون اللحم في وجباتهم بشكل ملحوظ، وكانوا يتناولون زيت الزيتون والكسكس والخضر المطبوخة والفواكه الجافة باستمرار، ويحضرون وجبات مفيدة كـ»بركوكش» و»الدواز»، كما كانوا يعتمدون على السمك عوض اللحم كما هو الحال في المدن الشمالية، إلا أنهم أضاعوا بوصلتهم الغذائية حاليا، بسبب تمازج العادات الغذائية والتأثر بالوجبات السريعة، وصارت الأمراض تنتشر بينهم، وأصابت العلل أجسامهم إلى درجة أن صار حتى إرضاع المرأة الشابة لرضيعها أمرا نادرا لندرة حليبها.
نوّع المغاربة في وجبات الكسكس، فكانوا يستخدمون السميدة والشعير و»البلبولة» والقمح الصلب، وكانوا لا يضعون فيه اللحم إلا لماما عندما يزورهم ضيف ما، كما أنهم جعلوا منه وجبة يومية وليس أسبوعية كما صار عليه الحال مؤخرا، زيادة على حرصهم الشديد على عدم تناول الفواكه بعد الأكل مباشرة، لما يشكله الأمر من خطر على صحة الإنسان، وهو للأسف ما صار ينتشر الآن حتى تحول إلى عادة لا تسلم منها غالبية وجباتنا الأساسية.
إن جمالية الوجبات المغربية أدت إلى اعتمادها في عدد من المطابخ الأوربية» لم يعد الأمر متوقفا فقط على الكسكس، بل إن هناك مطاعم شهيرة في أوربا تقدم لزبنائها «الرفيسة بالحلبة والعدس»، بينما نصر نحن على التفريط في نظامنا الصحي».
ينصح بضرورة تناول الخضر وشرب اللبن مع الكسكس، وبشرب الشاي قليل السكر بعد تناول هذه الوجبة، وبالتقليل من تناول اللحوم كل ما ينفع الناس يوجد في النبات وفي كل ما يخرج من الأرض من قطاني وخضر وحبوب وفواكه، وكل ما يضر الناس يوجد في الحيوان سواء الدجاج أو الغنم أو البقر أو الديك رومي. وأشير إلى أن حتى القرآن الكريم نادرا ما أشار إلى تناول اللحوم، ولم يتمظهر ذلك سوى في آيتين كريمتين، وكذا انتقال الشركات الغذائية العالمية إلى مجال النبات بعدما صارت قناعة بأن المتخلف فقط هو من يتناول اللحم بكثرة وهي السائدة في مجتمعاتهم.
لذلك على المغاربة تجنب اللحم أثناء تحضير وتناول وجبة الكسكس، مشدداً أن النظام الغذائي المغربي القديم كان صحياً وكان يبتعد عن كل ما يضر بالصحة، عكس ما يحدث حالياً من تأثر بالوجبات السريعة المستوردة، وبالتالي فعلى المغاربة العودة إلى تراثهم الغذائي القديم وإلا فسيؤدون الضريبة غالية في المستشفيات والمصحات، بسبب أمراض استعمرت أجسادهم نتيجة التحولات السلبية في نظامهم الغذائي.
وللكسكس منافع كثيرة إذ يحتوى على كمية معتبرة من المواد البروتينية (12 جراما لكل 100 جرام)، غير أنها بروتينات غير كاملة لافتقارها إلى بعض الأحماض الأمينية، لذا تجب إضافة أغذية أخرى لتعوض هذا النقص. كما أن كل مائة جرام من الكسكس تعطي حوالي 350 سعرة حرارية، ولكن هذا لا يمنع أن يضاف إلى وجبات الريجيم التخسيسية لسببين الأول هو أنه يمتلك طاقة متوسطة نسبياً، والثاني أنه يمتص كمية كبيرة من الماء تعادل ثلاث مرات حجمه ما يجعل آكله لا يستطيع التهام أكثر من 50 جراماً قبل طبخه، أي ما يعادل 150 جراماً بعد الطهي شريطة عدم إضافة المواد الدسمة إليه لأنها ترفع من الطاقة بشكل كبير.
يحتوي الكسكس أيضا على كمية عالية من السكريات (حوالي 72 جراماً في المائة جرام)، ولكنها تمتاز بكونها مضادة للجوع لأنها تعبر المعدة ببطء ويتم امتصاصها ببطء أيضاً، الأمر الذي يجعل السكر ينساب إلى مجرى الدم ببطء وانتظام بحيث يبقى مستواه فـي حدود ثابتة، وهذا ما يـبـعد عـن الـشـخص الـرغـبـة فـي اللـجـوء إلى تناول المسليات.
السكر في الكسكس أقل منه في الدقيق الأبيض وهذا ما يحول دون تفريغ شحنات فائضة من هرمون الأنسولين التي تساهم عادة في تخزين المزيد من الدهن وبالتالي زيادة الوزن.
للأسباب السابقة فإن الكسكس مسموح به لمرضى السكري الذين يميلون عادة إلى تناول المأكولات الدسمة والبروتينية التي تلحق الضرر بجهازهم القلبي الوعائي الضعيف بالأساس.
يعد الكسكس طعاما مفضلا للذين يبذلون مجهودات عضلية، خصوصاً الرياضيين، إذ يسمح لهم بشحن مخازن سكر الجليكوز الضروري جداً لمد عضلات الجسم بالطاقة للمثابرة في تحمل المجهود الطويل الأمد.
وللإطفال يعد الكسكس غذاء جيدا ، لأنه يمدهم بالطاقة اللازمة لمجهودهم الذهني، ويجعلهم يبتعدون عن السكاكر السريعة الامتصاص. وبالنسبة للكبار الذين كثيراً ما يملكون أسناناً ضعيفة، يعد الكسكس غذاء ممتازا لهم، لأنه جذاب ويبعث على الشهية، وسهل المضغ.
يحتوي الكسكس على كمية ضئيلة من الدهنيات، إلى جانب عدد من المعادن وبعض الفيتامينات، إضافة إلى كمية لا بأس بها من الألياف، وإذا أُكل الكسكس مع الخضر واللحم فإنه يغدو طبقا لذيذً مفعماً بالعناصر الغذائية التي تمد الجسم بكل بما يلزمه من عناصر القوة والحياة.