مرت الايام والسنون و الفتاة الان في ربيعها الثاني عشر،لم تقابلها الحياة سوى بجفاء الاب نحوها وقسوة من حولها،الكل كان يعاملها بامتعاض و اشمئزاز.
كان كل من في القرية يتجنب التكلم معها ،حتى الاطفال كانوا يصدونها ،لقد شاع انها تجلب النحس و اللعنة وكان من يسميها الملعونة.
خرجت (ميا) كعادتها كل يوم تلهو وحدها في ضواحي القرية وتخاطب شخصية صنعتها مخيلتها ،وفي طريقها صادفت مجموعة اطفال يلعبون.جلست بعيدا عنهم وهي تنظر اليهم بحسرة لا تستطيع الاقتراب منهم .
لمحها الاطفال واقتربوا منها
-ماذا تفعلين هنا ايتها الملعونة؟
-انا جالسة فقط.
-كاذبة،بل كنت تتجسسين علينا.هيا اذهبي حتى لا تجلبي لنا النحس،لا نريدك هنا.
-لا اريد يحق لي ان اذهب اين اشاء مثلكم.
-هيا اذهبي ايتها الملعونة ....اذهبي.
بدا الاطفال يرشقونها بالحجارة ،لم تجد امامها مكان تختبئ فيه سوى ان تتسلق شجرة الصنوبر العملاقة امامها.من شدة خوفها صعدت الى اعلى مكان فيها حتى لا يمسها اذاهم،عانقت الغصن بشدة وهي تبكي من شدة الم الجروح التي اصابتها.
-اتخالين نفسك هربت منا،سوف نصل اليك هناك.
تسلق طفل وراءها محاولا الوصول اليها وعندما اقترب منها،خانته صلابة الغصن الذي تمسك به فانكسر ليسقط ارضا دون حراك.
تفرق الاطفال في ذعر يصرخون الى القرية ،اما الطفلة فقد نزلت و هرولت الى بيتها واغلقت باب غرفتها عليها .انزوت في احد الاركان تبكي بمرارة ،لماذا يحدث معها هذا؟لماذا هي منبوذة من الجميع؟
تعودت الفتاة على تناسي حزنها بسرعة وبدات بالغناء بصوت منكسر حزين وتكلم نفسها،وتسبح في خيالها ببراءة ،لكنها لم تكن تعرف ما تخبئه لها الايام.
سمعت صوت حشد من الناس بالخارج قرب منزلها،اقتربت من نافذة غرفتها وبدات تسترق السمع.
لقد كان اهل القرية يستشيطون غضبا بجانب منزلها ينادون والدها وينتظرون خروجه.
-ماذا هناك هل من خطب؟
تقدمت امراة والشر يتطاير من عينيها.
-الا تعلم ما حدث،بسبب ابنتك الملعونة قتل ابني المسكين ،هيا اخرجها لنا ،يجب ان تلقى عقابها.منذ ولدت واللعنة حلت علينا .
وقف الرجل مصدوما لما تقول المراة.
-ماذا ذهاكم يا قوم،اتصدقون هذه الخرافات ،انها سوى فتاة صغيرة.
تعالت اصوات الناس ناقمين على الفتاة.
-اجل لقد جلبت لنا النحس منذ ولادتها،الم تقتل والدتها الا تنظر الى وجهها ،انها شيطان يصورة بشر.
-لقد حل الجفاف وساءت حالنا منذ ذلك الحين ، انظر الى حالك كيف اصبحت فقيرا،هل تنكر هذا؟
تقدم الرجل منهم واجابهم في غضب.
-انتم تلقون بفشلكم و اخطائكم على فتاة صغيرة ليس لها ذنب .هيا اذهبوا ومن يقترب منكم ستكون نهايته على يدي.
حمل الرجل معوله وبدا يلوح به حتى يبعدهم عن منزله .بدا اهل القرية يرشقونه بالحجارة ،دخل الرجل مسرعا امرا ابناءه بعدم الخروج.لكن المنزل لم يسلم من الاذى .
سرعان ما هدات الاحوال واختفى الناس من الجمهرة حولهم.
وضع الاب راسه بين كفيه يفكر فيما حصل وشعوره بالذنب لانه عامل ابنته بتلك القسوة لقد عرف انه سبب كل ما يحصل لها.
نهض من مكانه ثم توجه الى غرفة ابنته.
-لم افعل شيئا ابي ....انا لم افعل شيئا....لا تضربني ...ابي ارجوك إإإإ
-تعالي هنا (ميا) لا تخافي.
تقدمت الفتاة نحوه بخطا مترددة .عانق الرجل ابنته عناقا حارا و دمعت عيناه.
-سامحيني بنيتي،انا السبب في ذلك،اذيتك كثيرا.
-لماذا تبكي ابي؟
كفكفت الطفلة دموعه ،انها اول مرة تتلقى جرعة حنان من ابيها الذي لطالما صدها عنه.
لن نبكي بعد اليوم بنيتي،سوف نرحل الى مكان بعيد وجميل و نعيش عائلة سعيدة ،هذا المكان لم يعد ياوينا بعد اليوم .
-حقا ابي ،سنرحل الى مكان اخر به اطفال يحبونني؟
-اجل ،وسيكون لك اصدقاء كثر.-متى ابي انا متشوقة لذلك؟
-غدا ،هيا اجمعي اغراضك.
حل الليل بعد يوم مرير على الاسرة ،لقد كانت بدايته هادئة على غير العادة هدوء ما قبل العاصفة،وكان القرية خلت من سكانها.
فجاة دفع الابن الاصغر الباب بعنف،لقد وصل الى بيته جريا من وسط القرية.
-ابي....اين...انت .....انهم....إإإ
-تمالك نفسك بني ،ماذا حدث؟
خرجت الكلمات متقطعة من فمه بالكاد فهمها الاب.
-انهم اهل القرية،انهم اتون الى هنا،لقد قرروا حرق المكان و ان نسلمهم (ميا) حتى تعاقب بالحرق كما تحرق الشياطين ،لكي تزول اللعنة عنهم. إإإإ
-يا الهي لا حد لجهل هؤلاء الناس،هيا علينا ان نحمي (ميا)منهم يجب ان تبتعد عن هذه القرية قدر المستطاع انها في خطر. احمل انت و اخوك سلاحا ندافع به عن انفسنا ،اما انت ابنتي فيجب ان تهربي، اسمعت ،ابتعدي سوف يؤذونك.
-لكن ابي لا استطيع ان اذهب وحدي،انا خائفة،اريد ان ابقى معكم. إإإ
-اسمعيني،لطالما كنت شجاعة،اذهبي عبر الغابة حتى لا يقتفوا اثرك، اسمعت؟إ
رجها من كتفيها حتى يتاكد من استيعابها للامر،وضع لها كيسا به خبز وماء وقبلها.
-لا تنسي ابنتي انا احبك كثيرا.
دخل الابن مرة اخرى
-ابي انهم يقتربون ويحملون المشاعل سوف يحرقون منزلنا.إإإإ
لم يكمل الولد كلامه حتى رمى احدهم النار داخل المنزل ،اشتعلت النيران في الستائر ، وهمت الاسرة في الخروج.
-هيا (ميا) اركضي ولا تنظري وراءك،لا تدعيهم يمسكونك.إإإإ
اسرعت الفتاة في الركض والدموع لا تنضب من عينيها وكلمات ابيها تتردد على مسامعها.
...........تابع في الحلقة القادمة