الذباب ناشر الأمراض ...عدوته النظافة

[عابر سبيل1976]

الذباب ناشر الأمراض ...عدوته النظافة



إعداد الدكتور أنور نعمه




جو دافئ، انعدام النظافة، وإلقاء المواد التالفة والمتحللة على الأرض. هذه هي العوامل الثلاثة التي تجعل من الذبابة المنزلية سلطان زمانها. ويعتبر فصل الصيف الأنسب لتكاثرها، فهذه الحشرة تفرخ بسرعة هائلة، وتشير الدراسات العلمية الى ان ذرية الذبابة المنزلية الواحدة تتجاوز المليونين في فصل الحر.
والذبابة المنزلية حشرة قذرة للغاية إذ تراها تروح وتأتي بين أكوام القمامة والأطعمة السليمة المكشوفة، لذلك تعتبر من أخطر الحشرات على الصحة العامة. وهي لا تزعج بطنينها ورنينها فقط بل تنقل عوامل ممرضة كثيرة، وتكون هذه العوامل إما عالقة بها أو تسرح وتمرح في أحشائها ولعابها.
والذبابة المنزلية ليست قذرة وحسب بل دنيئة جداً، فبعد أن تتغذى من أكوام القاذورات الوسخة تذهب الى الطعام السليم لتنهل منه على رغم أنها ليست جائعة، ومن أجل أن تفسح مجالاً للطعام الجديد يوجد في فمها ممص على شكل لبادة تضعه على الطعام لتجعله طرياً ومن ثم تقذف ما في بطنها على الأكل المكشوف، وإذا كان الأخير حاوياً على الميكروبات فكان الله في العون. وأشهر الأمراض التي تنقلها الذبابة المنزلية الى الإنسان هي الآتية:
> التيفوئيد. تلعب الذبابة المنزلية دوراً مهماً في نقل هذا المرض عبر الأطعمة والأشربة الملوثة، وينتشر هذا المرض بسرعة في الصيف بسبب تدني مستوى الخدمات الصحية وانتشار الباعة المتجولين الذين يبيعون مأكولات وعصائر مشرعة للهواء وللذباب.
وبعد دخول الجرثومة المسببة الى الجسم من طريق الفم بأسبوع الى أسبوعين يشكو المصاب من حمى عالية وقشعريرة وصداع وآلام بطنية ومفصلية مع فقدان في الشهية، وقد تظهر اندفاعات جلدية وردية اللون على الصدر والبطن. كما يعاني المريض من الإعياء العام والإمساك أو الإسهال مع انخفاض في عدد ضربات القلب.
وقد ينتهي التيفوئيد بمضاعفات خطرة على المصابين بها، من بينها النزف المعوي والتهاب المرارة والتهاب العظام والمفاصل والتهاب السحايا وانسداد شرايين الرجل وتساقط الشعر في بعض الأحيان.
وفي كل الأحوال هناك تباينات كبيرة بين المرضى من حيث العوارض وشدة المرض والمضاعفات التي يخلفها وراءه.
والمشكلة الكبرى في مرض التيفوئيد هو وجود حاملين للجرثومة المسببة له من دون أن يعانوا عوارض واضحة، وهؤلاء قادرون على نقل العدوى الى الآخرين، وبالطبع يمكن الكشف عن هؤلاء بإجراء الفحوص المخبرية على البراز.
ان الفحص السريري مقروناً بفحوص مخبرية للدم والبراز يسمح عادة بوضع تشخيص مرض التيفوئيد، وفي حال التأكد من الإصابة بهذا المرض يعطى المصاب شوطاً من المضاد الحيوي المناسب. ومن أجل التأكد أن المصاب شفي كلياً من مرضه ولم يعد يحمل الجراثيم في جسمه يعمد الطبيب الى التحليل الدوري للبراز لثلاث أو حتى لست مرات متتالية.
> الكوليرا، وهي مرض وبائي حاد ينتج من تناول طعام أو شراب ملوث بجراثيم الكوليرا، وما أن تحط هذه رحالها في الأنبوب الهضمي حتى تبدأ بإفراز سم هو المسؤول عن إثارة زوبعة من العوارض المزعجة خصوصاً الإسهالات العنيفة التي تفرغ السوائل من الجسم، وهذا الضياع السريع قد يقود الى الصدمة والموت في حال لم يتم إسعاف المصاب في الوقت المناسب خصوصاً لدى بعض الفئات من الأشخاص مثل الأطفال الصغار وكبار السن والذين يشكون أمراضاً مزمنة.
ان تعويض السوائل والأملاح التي فقدها المصاب بالكوليرا هو السبيل الأنجع لإبعاد شبح الموت. ان الكوليرا ما زالت تشكل عبئاً صحياً كبيراً في بعض الدول الفقيرة التي تفتقر الى مياه الشرب الصالحة والى التمديدات الصحية التي تؤمن التخلص الجيد من الفضلات البشرية.
> التسمم الغذائي، وهو يحدث أكثر ما يحدث للأطفال بسبب التلوث الغذائي بالميكروبات التي ينقلها الذباب خصوصاً في فصل الحر. وتختلف عوارض التسمم ومدة ظهورها بحسب نوع الميكروب، إلا أن أهم العوارض التي تبرز على السطح التقيؤات والإسهالات وآلام البطن. ومن أهم المأكولات التي تسبب التسمم اللحوم والأسماك والحليب والخضروات والآيس كريم (البوظة).
ان حفظ الأطعمة والأشربة جيداً في الثلاجات وعدم تركها مكشوفة ووضع المخلفات في أوعية مغلقة إضافة الى حسن انتقاء مكان شراء المأكولات الى جانب مكافحة الذباب بكل الوسائل المتاحة من شأنها ان تساهم في الوقاية من التسمم الغذائي.
> «التراخوما». يمكن للذباب ان ينقل الجرثومة كلاميديا تراكوماتيس المسؤولة عن هذا المرض الذي يبلغ عدد المصابين به أكثر من 80 مليوناً. ان «التراخوما» تسبب التهاباً مزمناً في الغشاء الذي يغطي مقلة العين، ومع تقدم المرض تظهر الاختلاطات مثل تشوه الجفن وتدهور النظر وربما العمى إذا لم يتم العلاج في الوقت المناسب.
> «الدوسنطاريا»، وهو مرض منتشر بكثرة في المناطق الحارة والمعتدلة، ويشاهد جداً في البيئة المدرسية، ويساهم الذباب المنزلي في نقله من طريق تلويثه الطعام والشراب الذي يحط عليه. وسبب المرض طفيلي صغير يعرف باسم «الأميبيا» التي تعيش متطفلة في أمعاء الشخص، ولا يمكن رؤيتها بالعين المجردة ولكن يمكنها ان تظهر بالفحص الميكروسكوبي للبراز الحاوي عليها. وتختلف مظاهر «الدوسنطاريا» بحسب مكانها، سواء في الأمعاء أم خارجها، وفي شكل عام من أهم عوارض الدوسنطاريا المعوية:
- آلام في البطن خصوصاً في الركن السفلي الأيمن.
- ارتفاع الحرارة.
- انتفاخ البطن.
- فقدان الوزن.
- الضعف العام.
- الإسهال الدموي المخاطي.
- الرغبة في التبرز.
- الجفاف والإنهاك.
وقد تنتج من «الدوسنطاريا» المعوية مضاعفات مثل التهاب الزائدة، وانثقاب الأمعاء، والتهاب القولون الصاعق الذي قد يقود الى الموت.
أما «الدوسنطاريا» خارج المعوية فهناك الإصابة الكبدية والرئوية، ففي الأولى يعاني المصاب من التعرق والحمى ونقص الوزن وربما من ضخامة كبدية غير مؤلمة أو مؤلمة بعض الشيء. أما في الإصابة الرئوية فيشكو المريض من صعوبة التنفس وارتفاع الحرارة والسعال والقشع المخاطي القيحي المضرج بالدم.
يتم علاج «الدوسنطاريا» بتناول أدوية معينة بإشراف الطبيب وقد تتم الاستعانة بأدوية عدة من اجل إطاحة العامل الممرض عن بكرة أبيه، والنقطة الأخيرة مهمة جداً لتحقيق الشفاء الكامل، من هنا ضرورة فحص البراز دورياً لكشف أي خفايا للمرض وعلاجها بلا هوادة. ان الذبابة المنزلية لا تنشر الأمراض من طريق الطعام والشراب وحسب بل تنجذب الى الأجزاء الملتهبة من جلد الإنسان كالجروح والقروح والعيون الملتهبة ناقلة أسباب المرض من شخص الى آخر. عدا هذا وذاك ان المكان المفضل للذبابة المنزلية هو أكوام القمامة التي تعتبر أحد المصادر الأساسية لتلوث البيئة ونقل الأمراض، لذا فان التخلص منها (القمامة) بطريقة صحيحة تفوت على الذباب فرصة الإقتتات منها ما يشكل الحجر الأساس في الحماية من الأمراض التي ينقلها.
جريدة الحياة

[aboud]

بارك الله فيك تحياتي