النقابات المغربية و الدور المفقود
صحيفة الأستاذ | الأربعاء 18 ديسمبر 2013
رشيد بلفقيه
كلما لاحت في أفقنا المعتم بادرة للنضال الحقيقي ،الخالي من أي مزايدات سياسوية ضيقة أو حسابات إنتخابوية قصيرة النظر .تشرع الزعامات النقابية العريقة في بلدنا في النظر إليك نظر المغشي عليه من الهلع و تبدأ في تحسس رؤوسها و كتم أنفاسها في إنتظار أن تمر الأزمة بسلام .
فواقع الحال يثبت أن الخرجات الأخيرة لرجال ونساء التعليم باتت تحرج التمثيليات العمالية أكثر من الحكومة .وأضحت مناسبات بئيسة تتيح للمتبع عَلَنيَّة التفرج على رداءة الأداء النقابي و تدهوره و ميوعته و جنوحه إلى سياسة رب حاجات قضيناها … بتركها
السؤال الذي يطرح نفسه كل مرة هو :لماذا بات رجال و نساء التعليم خصوصا ،أكثر إقبالا على تأسيس تنسيقيات تكتسي طابع الفئوية ، وعندنا من الكيانات النقابية ما يكفي و يزيد بل و يصل بنا إلى حد البذخ النضالي ؟
لماذا صارت قرارات قلب الطاولة على النقابات و تمزيق أو حرق بطاقات الإنتماء إليها هي الغالبة ،
لعل الجواب بالنسبة للمارس في ميدان التربية سيكون بسيطا جدا في جزء منه .وهو أن النقابات صارت لا تمثل أحدا سوى نفسها وما خرافة الأكثر تمثيلية سوى ذاك الثمن الذي تحصله من الحكومات المتتالية مقابل بيع الطرح طرحا بعد طرح .
فكيف يعقل أن يصل صوت الفئات المهضومة حقوقها المفروض أن يتم تبني مطالبها إلى المركزيات العالية و العتيدة و الصامدة و… بقوة التاريخ المفبرك لا أقل ولا أكثر كيف يعقل هذا و صلة الوصل بينهما و المتمثلة في الفروع المنتشرة عبر ربوع المملكة مبتورة أو معلقة منذ سنوات ؟
عديدة هي المحطات التي عارضت فيها الفروع قرارات المركزيات النقابية .
ومتعددة هي الإستقالات و الإنسحابات الجماعية التي رد بها رجال و نساء التعليم إحتجاجا على الإقصاء و التمييز و الإجحاف و الإنفراد الذي يمارسه القياديون.
وعشرات هي الفروع المجمدة إلى إشعار أخر
إحتجاجا أيضا .بعد أن سدت جميع السبل في وجه محاولاتها للتواصل مع القيادات التاريخية المزمنة
وحدث ولا تسل عن الشرفاء الذين اختاروا مغادرة الفروع منذ سنوات .
و حتى إن إقتربنا قليلا من الفروع التي لا زالت تقاوم مد التمييع نجدها تتخبط في متاهات النقاشات البيزنطية العقيمة ،خاضعة للأسف لتدبير انتهازيين استغلوا فراغ الساحة ، لا أقل و لا أكثرتساندهم طغمة فاسدة مفسدة تتقاسم معهم الإجهاز على الكعكات المحصلة بالابتزاز و النضال الغير شريف بالمرة توحدهم فوبيا تقبل العناصر الجديدةالتي يرون فيها تهديدا قد يعصف بما حصلوه من نعيم .ناهجة في قمعها و أساليبها الإقصائية الممنهجة أشد الأساليب فتكا مُؤَسّسَة لبلطجة نضالية لم ينزل بها من سلطان ..
فروعنا أبقار سمنت من انفرادها بالامتيازات و خلال فترة التسمين أهملت حقيقة مرة تتربص بها يوميا و هي أن الابقار عندما تسمن تحال على المذبح ،مذبح إعادة الإعتبار لمبادئ النضال المرتكز على الإنحياز الطبقي لفئة العمال لا لغيرها .
إن تدهور الوضع التعليمي ،و تردي المردودية واقع يفرض نفسه علينا جميعا و المسؤول عنه ليس جهة معينة بمفردها و لكن جميع التشكيلات و الهيئات بل حتى الأفراد و الجمعيات المتدخلة في المدرسة .
التمثيليات العمالية أي النقابات هي أيضا جزء لا يتجزأ من هذا النسيج و تتحمل بدورها جزءا من المسؤولية في المساهمة في إضعاف المدرسة العمومية . وذلك من خلال رعايتها لمصالح معينة لنماذج بشرية بحد ذاتها تعرف جيدا كيف تصطاد في المياه العكرة و تتقن لغة المطالبة بالحقوق لكنها تتجاهل بالمرة واجباتها المقدسة اتجاه الوطن .
جل الملفات التي تشتغل عليها معظم الفروع النقابية بل حتى المركزيات أحيانا بجميع أقاليم المملكة هي ملفات شخصية فردية بحتة ،لأشخاص أحيانا يستعينون فقط بالنقابة للي ذراع الجهات الوصية عن تدبير القطاع لتحصيل امتيازات للأسف يفاخرون بها فيما بعد ما حباهم الله به من صنطيحة ،بغض النظر عن مدى اهليتهم لتحصيلها
إن الخرجة الأخيرة لتنسيقية المجازين و حملة الماستر سيعتبرها البعض تلك القشة التي قصمت ظهر البعير الذي لم يتبق فيه أصلا مكان يصلح للقصم .
فمقابل منطق الهراوة الذي استعمل للتنكيل بنساء و رجال التعليم ،تبنت كل النقابات و بدون استثناء موقف المتفرج الصامت في البداية ، بعد أن قبضت ثمن صمتها
ممنية النفس بان تمر الأزمة بسلام ويمل هؤلاء و يعودون لمقرات عملهم ..
لكن مع صمود المعتصمين لأيام بدأت الدائرة تضيق عليهم و بدأ البعض يتحرك في جميع الاتجاهات لإصلاح الوضع بخرجات باهتة استعملت فيها لغة البيانات المشددة و المستنكرة شجبا و تنديدا و طبعا لم تولي الحكومة هذه الخرجات اي اعتبار و انتقلت إلى خطوات أخرى من قمعها المتواصل،و ذلك بإشعار المعتصمين بالانقطاعات عن العمل تمهيدا لتحريك مسطرة الاقتطاعات و الإحالات على المجالس التأديبية لإرهابهم و كسر شوكتهم .
وطبعا النقابات و اغلب فروعها أخلفت الموعد واختارت مرة أخرى النضال إلى جانب الحكومة
في خطوة شوهت كثيرا تلك الصور الأخيرة التي لازال أكثر المتفائلين بتحسن الأوضاع يتحصنون بها ..
روائح بغيضة بدأت تفوح من هنا و هناك مطالبة بإخراس كل الأصوات الجادة في خرجاتها
و مواقف متانية ،متانقة، رعديدة ..تطفو هنا و هناك و لا تجلب سوى العار لمن يتبناها عار سيسجله التاريخ أكيد .
و مؤشرات بغيضة تدعو الجميع إلى إعادة التفكير في توجيه الحملات النضالية المقبلة ضد هؤلاء المفسدين الفاسدين وليس ضد الحكومة ..
رحم الله زمن المناضلين الشرفاء
و مرحبا بكم في زمن المناضلين … لايت
النقابات المغربية و الدور المفقود
المواضيع المتشابهه
