النقابة بين الانتماء السياسي و الممارسة الأخلاقية
لعضيم عبد السلام
أستاذ التعليم الإبتدائي جرسيف
هناك علاقة ارتباط وثيق إن لم نقل جدلي بين السياسة و النقابة، فوضع هذين المفهومين تحت النقد الموضوعي و التحليل الدقيق يبين وبشكل جلي أن الأولى غطاء للثانية والبوصلة الموجهة لخطواتها، بينما الثانية إحدى تمظهراتها و تجلياتها، بل المرآة العاكسة لتصوراتها الإيديولوجية. فعلاقة التأثير و التأثر النفعي البراغماتي المتبادل تجعل منهما وجهان لعملة واحدة، كما أن ممارسة العمل النقابي هي ممارسة سياسية شئنا أم أبينا ، رغم وجود بعض الإدعاءات الرامية إلى تجريده من محتواه و حمولته السياسية المتغلغلة فيه كرها، كما لا نستثني وجود بعض التمفصلات العلائقية المرنة بينهما، خاصة فيما يتعلق بتسطير البرامج النضالية والتي غالبا ما تكون خادمة مطيعة للسياسة .
إن تسويق فكرة استقلالية نقابة ما وحياديتها هو بحد ذاته تعبير عن موقف سياسي مضمر. و السبب الأساسي وراء طغيان فكرة الحياد نابع من الإرث الجمعي الموروث بطريقة لاشعورية عن السلف و المتمثل في نفور جل المغاربة من السياسة وعزوفهم عنها لأسباب معروفة، الشيء الذي ولد لدينا نوعا من الحساسية السياسية المفرطة و التي انعكست أو أسقطت بشكل أو بآخر على المواقف النقابية، مما دفع بعض النقابيين إلى اتخاذ موقف الإخفاء و الإضمار أو التملص من الهوية السياسية المحتضنة للتنظيمات النقابية بل المستنبتة لها.
إن هذا التملص الوهمي هو هروب من الواقع ومحاولة فاشلة للتعالي عليه، مما يجعل النقابة القائمة على الفصل والشرخ الاعتباطي مع السياسة نقابة قاصرة لم تصل بعد إلى سن النضج، بل لازالت تتخبط في طرح أسئلة وجودية تتعلق بتحديد الهوية والتي لن تجد لها جوابا إن لم تتخلص كليا من خجلها الإنتمائي.
و على العموم هناك قواسم مشتركة بين مختلف الأطياف النقابية، على الأقل من حيث المبدأ القائمة على أساسه، و المتمثل في الدفاع عن حقوق الشغيلة و تأطير المواطنين وإن كان هذا الجانب مهملا إلى حد كبير في الدواليب النقابية، الشيء الذي حرف العلاقة القائمة بين المواطن و النقابة واختصرها في تبادل المصالح و المنافع،وبالتالي تم تقزيم دورها ليصبح محصورا في حراسة الحقوق المكتسبة على حساب التأطير الجماهيري.
إن النفور من المشاركة السياسية يوازيه نفور نقابي بسبب بعض التصرفات النقابية الشاذة والخارجة عن المألوفـ، و المتمثلة في كون بعض النقابات سممت هذا العمل النبيل وحرفته حين حادت عن وظائفها و انغمست وبكل دناءة في أعمال السمسرة و الريع النقابي : ( تواطؤ مع الإدارة على حساب الشغيلة، وتلكؤ في الدفاع عن بعض الفئات مقابل تمرير بعض الملفات الشخصية الصرفة ) وهذا ما أدى إلى نزع ثقة المواطن منها كما سبق نزعها من الأحزاب السياسية ، والنتيجة المحصلة هي سيادة تمثلات ذهنية معتقدة بلا جدواهما. و مركزة على أهمية حضور الجانب الأخلاقي الروحي في كل عمل نقابي باعتباره سندا ومرجعا أساسيا في أبجديات العمل النقابي النزيه.
كما أن التتبع الكرونولوجي للمشهدين السياسي والنقابي يبين أن تاريخهما هو تاريخ حافل بالإنقسامات وأن الجديد يقوم على أنقاض القديم ، والسبب في ذلك هو الرغبة في كسر تلك الهالة الطوباوية و القدسية المبالغ فيها المتغلغلة فيهما والقائمة على التراتبية، والمكرسة لثنائيتي الحاكم والمحكوم/ الآمر والمأمور - وبتعبير أدق حضور قوي لثنائية الشيخ والمريد للأستاذ عبد الله حمودي - لأن التنظيمات بصفة عامة تهاب النزعات القيادية المزدوجة و تخشاها مخافة التمرد و الفوضى والعصيان الفكري – الإيديولوجي فتحاربها بكل قوة لتضمن استمراريتها.
فمتى ظهر زعيمان سياسيان أو قياديان نقابيان أو شيخان دينيان في نفس التنظيم، ظهرت ازدواجية في القرارات والمواقف، مما يؤدي إلى تصدعات تنظيمية غالبا ما تؤدي إلى انقسام النواة الأم، وظهور تنظيم جديد قابل بدوره وعلى غرار سلفه للإنقسام و التفريخ كنتيجة حتمية للقصور الدائم عن احتواء مخاض الفكر الإصلاحي المتجدد داخلها، الشيء الذي يؤكد أن طبيعة التنظيمات هي طبيعة محافظة على وضعها القائم.
و اليوم نحن مطالبون كل من موقعه: سياسيون و نقابيون و منخرطون بتجاوز مرحلتي الفهم و التفسير و المضي قدما نحو مرحلتي التصحيح والتغيير وإعادة بناء نقابة اجتماعية مواطنة مساهمة في البناء التنموي القائم، لتعيد إنتاج نفسها من جديد لتلمع صورتها وتستعيد هيبتها المفقودة، و بذلك تمحو تلك الصورة السوداء التي ترسخت في أذهاننا عنها.