صور من عطاء
وراء كل عظيم أو عظيمة محب صادق، يدفع بحبيبه إلى فضاءات من النجاح والتألق، بغض النظر عن الجنس والسن والعلاقة.
فالحب يطبع مشاعر المحب بالعطاء والإيثار، مهما اختلف المستوى الثقافي والاجتماعي، فلا يوجد فرق بين كبير وصغير أو رجل وامرأة، فالحب يضع الجميع تحت قدم المساواة، قد تختلف طرق التعبير عنه لكنها تتساوي في ما تحمله القلوب من مشاعر، فعندما جاءت وفود الصحافيين والشعب على الرئيس (أبراهام لنكولن) لتهنئته بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، قال لمهنئيه (لا تهنئوني وهنئوا أمي فهي التي رفعتني إلى هذا المنصب الكبير).
فالحب الذي وهبته الأم لابنها بات سر نجاحه وتألقه، ويجتهد الآباء والأمهات في إيثار أبنائهم عليهم فيحرومون أنفسهم من ملذات الحياة لإسعادهم، ويحرصون على توفير كل ما حرموا منه لأبنائهم، فإن لم يحظوا بقسط من التعليم يكونون أشد الناس حرصا لتعليم أبناءهم وإن تعدى ذلك طاقتهم المادية، وإذا شاركهم الحرمان حياتهم، سعوا ألا يمس أبناءهم شيء منه، فيعزفون من حبهم لأبنائهم سيمفونية تضحية وعطاء متمنين أن ينعموا بفرصة أفضل.
وإيثار الآباء والأمهات للأبناء، مرتبط بمدى حبهم لهم، فكلما زاد الحب زادت قيمة الإيثار، وجاء في الإنجيل على لسان سيدنا المسيح ( لَيس لأَحد حب أَعظَم من هذَا: أَن يضع أَحد نفسه لأَجل أَحِبائِه.) إنجيل يوحنا 13:15
والإيثار بين المتحابين من الصور الجميلة، فالمحب يروض مشاعره وإراداته لتكون طوعا للحبيب، فينحي رغباته جانباً ويسمو برغبات حبيبته بغيه سعادته، وهذه مرتبة سامية لا يلقاها إلا كل من عانق الحب روحه، ولنا في السيدة عائشة رضي الله عنها أسوة حسنة، فالرسول الكريم يجلس على فراشها، ولكم أن تتخيلوا مدى سعادتها بذلك، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقطع سعادتها بقوله (دعيني أقوم بين يدي ربي ساعة.. فقالت: يا رسول الله إني أحبك بجواري ولكني أحب ما تُحبُ على ما أحب).
فقد أسر الحب المحبين وملك عليهم روحهم فلسان حالهم يقول كيف نعبر عن حبنا
بكل الصور، فالشاعر إيليا أبو ماضي يقوله لحبيبته:
أي شيء في العيد أهدي إليك .. يا ملاكي وكل شئ لديك !
أم وروداً والورد أجمله عندي .. الذي نشقت من خديك !
أم عقيقا كمهجتي يتلظى .. والعقيق الثمين في شفتيك !
ليس عندي شئ أعز من الروح .. وروحي مرهونة في يديك !
فكل شيء غالي يرخص أمام الحبيب، وفي الموروث الشعبي نقول: الغالي يرخص للغالي.
فكل ما يغلو قيمته من الأفعال والتصرفات، وما يملكه الإنسان من مال ونفس هو رخيص في سبيل حبيبه الغالي في مكانته وحبه، إلا أن من الضرورة أن نبين أن الإيثار والتضحية لها ضوابط وحدود تحكمها، فالإيثار والتضحية تختلف أبعادها بين الرجل والمرأة، خاصة إن لم يجمعهم إطار شرعي، وللتضحية وجه آخر يعبر عنه أستاذنا د.محمد إسماعيل بقوله : لابد أن نلفت النظر إلى (الوجه الآخر) للتضحية، الذي يستغله بعض الرجال الذين ينتمون إلى فئة (الذئاب)!! فالتضحية عند البنت تختلف اختلافا كبيرا عنها، عند الرجل، ذلك أن الرجل الذي يطلب من البنت أن( تضحي) بالخلوة معه، لتثبت حبها له، عليه إن كان يحبها أن يضحي هو برغبته هذه، سواء قبل أن يفصح عنها أو بعد أن يطلبها، لأن تضحية البنت هنا، كثيرا ما يترتب عليها ضياع كل شيء عزيز لديها. والرجل الذي يغضب لعدم إقدام البنت علي هذه( التضحية) هو بالتأكيد.. لا يحبها... ولكن يريدها لقمه سائغة ثم يلقي بالفتات!
فالمحب الحقيقي لا ينتظر التضحية فقط من الآخر، بل يكون أول المضحيين الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن أسرار الحب أن المحبين في حالة ظمأ مستمر من الحب ،لا يرتوون أبدا فأكثر الأسئلة ترددا على لسان المحبين قبل وبعد الزواج .
هل تحبني ؟
صف لي مقدار حبك ؟
رغم أن كل منهما مقتنع تمام الاقتناع بأنه أسير في حب الآخر مسير في هواه، يتنفسه في كل لحظة يحياها، متقين تمام اليقين من الإجابة ، إلا أن وقع الحروف من لسان المحبوب على الحبيب كوقع الماء العذب على مسافر في صحراء قاحلة أنهكته الشمس وسبر أغواره الظمأ ، فتنزل إجابته لتمس شغاف القلب وتنساب كماء عذب رقراق معطر برحيق الورد مشبع بآيات الحب تروي القلب، لكنها لا تطفئ ظمأه فهو يريد المزيد، فمع الحبيب لا ينتهي الوقت ولا يرتوي القلب.
ويتعدى الظمأ الكلام لإثبات حب الآخر، إلى همسات بطلب اللقاء أو طلبات يلتمس به المحب أن يثبت المحبوب له حبه وهو في ذلك لا تسعده الإجابة أكثر ما يسعده إحساس الإيثار والتضحية من الآخر، فالمحب يبادر بالعطاء دون تفكير، يبذل تفكيره وجهده وماله لإسعاد حبيبه دون أن يستشيره أو يستأذنه، فهو حق واجب عليه لا اختيار فيه، والمحبون الصادقون يتفانون في إيثار بعضهم البعض، وهم لا يرجون في ذلك إلا نظرة بحب أو همسة تأسر شغاف القلب، ومن علامات الحب الأخرى ...
ولنسمات الحب بقية ...
ومضات من نور:
لم أدري حين رأيتك أول مرة أني أرى قدري بين شفتيك وإنك تحملين مستقبلي بين كفيك وإني سأملك كل كنوز الأرض إن نعمت بنظرة من عينيك ...
أسامة أحمد العمري/ كاتب مصري | المغربية