الدخول المدرسي والآمال..!
عمر ح الدريسي
تعد الأطر والمؤسسات التعليمية في جميع البلدان، أهم ماتفتخر به بين الأمم. بواسطتها تُربي وتُكون أجيال الغد، عن طريق روادها تَبني نَشئا يحمل هويتها، لغتها، تاريخها، عقائدها، يحمي كينونتها، فهي مشتل المبادئ والأخلاق والقيم، فإما أن تكون نبعا صافيا يرتوي منه الجميع ماءا زلالا، أو تكون غير ذالك، مما ينعكس على تكوين الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة والإنسانية جمعاء.
"ومن لم يذق مُرَّ التعلمِ ساعــةً **** تجرّع ذُلَّ الجهلِ طول حياتهِ" -الشافعـي-
أنْ تتكلم عن التربية والتكوين، وكأنك تتكلم عن عرف من أعراف الجاهلية أو مرسوم من مراسيم "حمو رابي". أما أن تتكلم عن التمدرس فتلك من أهم المشاكل التي يتحدث عنها الجميع، أفرادا، عائلات، مؤسسات قطاعية وحتى البرامج الإنتخابوية، وكفى !، بحيث الكل يريد الثمار دون النظر للأسس؛ نوعية التربة، سلالة الغرس والبذور، نوع المناخ وكميات التساقطات وما نوع السماد المسموح والمقبول، وكيف نريد الإنتاج، ما قدره في كل موسم أو حتى عقد.... الكل في سباق محموم نحو مؤسسات خارج الوطن وبالأحرى داخله، لأن خريجوها لهم الحظوة في التوظيف والمكانة الإجتماعية والنخبة ( بالطبع تضمن مكانة ووجاهة إجتماعية متقدمة؟).
وأما التدريس فتلك كلمة أصبحت مهنة وحسب!، جل المدرسيين لم يستسيغوا بعد، كيف أنهم كدوا واجتهدوا طول حياتهم مع اختلاف المجهود ونوعية المسار التعلمي والمؤسساتي والتأهيلي، إلا أنهم جميعا وبدون استثناء استرخصوا جل أوقات حياتهم في طريق التكوين والتلقين والتعلًم، غير أن مكانتهم في المجتمع وعيشهم اليومي والإلتزامات العائلية تطرح أكثر من سؤال، بالكاد يتحقق التوازن الأدنى، يبحثون عن موارد أخرى، كالساعات الإضافية، أرادوها بلسما، فإذا بها سم فتاك خوار؟
التدريس رسالة نبيلة ومحترمة ومجهود معتبر ومهنة شريفة، إنها تاج المهن(كاد المعلم أن يكون رسولا .... فقف له تبجيلا...)،إلا أنها في هذا الزمن الردئ،الزمن /النيوليبيرالي/ دَنست المادة الرسالة التعليمية والتربوية، وطَبعتها بحسابات الربح المالي الزمني الصرف، وقيمتها بالتسلق الإجتماعي المزيف والمظاهر الخداعة والهدامة دون اعتبار للجوهر الإنساني التضامني النبيل.
رجل التعليم، رجل الشهادات العليا، أصبح في هذا الزمن غير مُعتبر أمام المسيطر على الأموال،رغم السنوات والليالي الطوال، التي قضاها صحبة الكتب والمجلدات والحواسيب في التكوين والبحث يقول أحمد شوقي: "أَنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا **** لَم أَجِد لي وافِيًا إِلا الكِتابا"، أتساءل مالفرق بين إنسان له وعي وذوق ورسالة ونبل، وبين انسان آخر يفتقد كل شيء إلا ما أوحت له به حاجاته الغرائزية ؟؟؟
يتعجب بعض الناس لماذا في الغرب، يمكث الطلاب في المدرسة إلى حوالي الخامسة مساء وأكثر! بدون ملل ولاضجر ..! بينما طلابنا لايكادون يتحملون وضعهم الحالي ! الجواب ...تهيئة المكان هناك؟ كم هي مناسبة لبيئة محبوبة للطلاب، توفير كل ما يحتاجون ويرغبون ويحبون.....
عندهم؛ يسمحون للطلاب بالترفيه في حدود المسموح به تربويا حسب نظام وبرنامج مدروس ! لا يشعر الطلاب بأنهم في سجن دراسي بل في محيط إبداعي ومُلهم ...
تعامل المدرسين مع الطلاب في مدارسهم ..تجد عدة أشياء ( احترام الطلاب ، تشجيعهم ، تَلَمس احتياجاتهم، ترك المبادرة، التفاعل أو التشارك في بناء الدرس... ) ولا تسأل عن الابتسامة الدائمة، ليسوا ممن يريد فرض السيطرة بجفاء الخطاب أوالإستعلاء...فرض الشخصية تتوقف على حسن التعامل، والليونة الحافظة للكرامة، والإبتسامة المحببة للتواصل والعطاء وتقدير إيجابية الخاطئ، لأنه تشجيع على المحاولة والمشاركة،يقول باشلار:" الحقيقة العلمية خطأ تم تصحيحه"، وهنا لا يشعر الطلاب بأنهم أمام الأستاذ المرشد والمسؤول الذي يضبط...وإنما مع شريك في العمل والفصل.
تشجيع المبادرات والمواهب، تكريم الفعاليات والعقول المبتكرة، اعداد منتديات ورحلات لتقوية أواصر العلاقة بين المدرس والطالب، بين الطالب و زميله وادارييه، تلك المتعة والتآخي تضفي جو الثقة مابين الأطراف. كل ذلك... من شأنه دفع المدرسين، التلاميذ والطلاب إلى حب الفصل والدراسة والمدرسة والكلية والمختبر وكل مايتعلق بهم جميعا، أنذاك سنضمن خريجين بناة وليسوا عصاة، خرجيين مربيين وقادة، وليس منحرفين ومرتشين، خرجين أصحاب مبادئ وليسوا أصحاب نزوات، خرجيين مُتَكونِين ومُكَوِنِين، وليسوا فارغين سلبيين وهدامين....
*كاتب إعلامي
الدخول المدرسي والآمال..!
المواضيع المتشابهه
