الأعرابية التي كان يهواها بعض خلفاء بني العباس ، فتزوج بها ، فلم يوافقها هواء البلاد ، فلم تزل تنحل وتعتل وتتأوه مع ما هي عليه من النعيم واللذة والأمر والنهي
فسألها عن شأنها فأخبرته بما تجد من الشوق إلى البراري ، وأحاليب الرعاء ، وورود المياه التي تعودت ، فبنى لها قصرًا على رأس البرية بشاطئ الدجلة سماه
المعشوق ، يقابل مدينة سامرا من الجانب الآخر ، وأمر بالأغنام والرعاء أن تسرح , بين يديها وتتراءى أمامها ، فلم يزدها ذلك إلا اشتياقًا إلى وطنها ، فمر بها يومًا في
قصرها من حيث لا تشعر بمكانه ، فسمعها تنتحب وتبكي حتى ارتفع صوتها وعلا شهيقها ، وكبد الخليفة يتقطع رحمة فسمعها تقول :
وما ذنب أعرابية قذفت بها ... صروف النوى من حيث لم تك ظنت
تمنت أحاليب الرعاة وخيمة ... ......بنجد فلم يقض لها ما تمنت
إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه ... ....وبرد حصاه آخر الليل حنت
لها أنة عند العشاء وأنة ... ........سحيرًا ولولا أنَّاتها لجُنَّت
فخرج عليها الخليفة وقال : قد قضي ما تمنيت ، فالحقي بأهلك من غير
طلاق ، فما مر عليها وقت أسرَّ من ذلك ، وسرى ماء في وجهها من حينها ، فعجب
الخليفة ، والتحقت بأهلها بجميع ما كان عندها في قصرها ، وكان الخليفة يهواها
ويغشاها في أهلها إذا خرج للصّيد .
مما راق لي