هل ما زالت مصر هي «أم الدنيا»؟
سؤال ملح في ظل تراجع الدور المصري إقليميا و دوليا
سؤال ملح في ظل تراجع الدور المصري إقليميا و دوليا.
مصر تخلت عن دورها السياسي لصالح قوى صاعدة مثل السعودية وقطر والثقافي لصالح لبنان وسوريا والأمني لإيران..
أسئلة كثيرة تطرح نفسها الآن علي موائد البحث في دوائر الدراسات السياسية والإستراتيجية، وفي المقالات والأبحاث والندوات والموائد المستديرة وعلى شاشات الفضائيات العربية.. وبالطبع في صحف المعارضة المصرية.
وليس السؤال جديداً، فقد طرح من قبل.. وجرت محاولات رسمية للتمويه علي الإجابة، وأيضاً علي محاولات كشف الأسباب.
والآن يعود السؤال ليطرح نفسه من جديد، بعدما نجحت قطر بإعلان الدوحة في تسوية الأزمة اللبنانية.. وبعد قيام تركيا بدور الراعي لمحادثات السلام السرّيّة بين سورية وإسرائيل، وبعد فشل الجهود المصرية في معالجة الأزمة الفلسطينيةـ الإسرائيلية.
وفشلها أيضا في السيطرة علي الأزمة السودانية وعقب لقاءات الرئيس الأخيرة مع رؤساء الدول العربية والجولات الأوربية، وتعمد تجاهل دورها في حل الأزمات من قبل الدول الأوربية وأمريكا، فلم تعد مصر الشقيقة الكبرى.. ولا حتى الصغرى!
سواء سياسيا أو اقتصاديا أو إعلاميا أو فنيا، هكذا كشفت الأحداث الأخيرة عن مدى تراجع الدور المصري، بعدما انحازت مصر في الأزمة اللبنانية، إلى طرف ضد طرف، ففقدت القدرة علي كسب ثقة الأطراف والسماح لها بدورها المعهود، دور الشقيقة الكبرى التي تحاول مصالحة الأطراف وقيادتها إلي برّ التفاهم والتعاون من أجل المصلحة القومية العليا.
وفي السودان انحاز النظام المصري إلى النظام الحاكم، ففقدت مصر بسبب هذا الانحياز مكانتها وقدرتها علي أن تكون الحكم الذي يثق فيه ويرجع إليه أطراف الخصومات المحلّيّة.. وفي العراق غاب دور مصر، وتركت الساحة لأمريكا وإيران.. وحتى الصراع في الصومال غاب عنه الدور المصري.
لكن الحقيقة المؤلمة هي أن دور مصر تراجع بالفعل, فعلى أي أساس يمكن لنا تفسير تولي المملكة العربية السعودية عجلة القيادة في لقاء مكة الذي أسفر عن تصالح تاريخي بين شقي الصراع الفلسطيني- الفلسطيني (فتح و حماس), و على أي أساس يمكن أن نفسر اللقاء الذي تم بين إيران والمملكة العربية السعودية بوصفها ممثلا للجانب العربي بغرض تحسين العلاقات مع إيران, وتأمين أو ربما محاولة تغيير المصير المتوقع للعلاقات العربية الإيرانية؟
وبعيدا عن الجانب السياسي يمكن لأي متابع للحركة الإعلامية والفنية والثقافية، إدراك التخلف الذي أصاب مصر فيها جميعا, فبعد أن كانت مصر هي المركز الإعلامي الأول في المنطقة العربية أصبح هو أقلهم أهمية إذا ما قورن بالقنوات الفضائية العملاقة والمؤثرة والتي تبث من دول أخرى غير مصر، أهمها على الإطلاق قناة الجزيرة القطرية الأصل وقناة العربية الإماراتية, ومن ناحية أخرى ستتخلى مصر قريبا عن لقبها الأثير "هوليود الشرق" بعد أن تدهور حال الإنتاج السينمائي بها وانحصر في عدد من النجوم، والأفلام المتشابهة في الشكل والمضمون, حتى أصبحنا ننتظر بالأعوام لنرى عملا جيدا يشجع أحدنا للذهاب إلى السينما التي كانت دائما النزهة الرئيسية للمصريين.
لقد تخلت مصر عن دورها الفني لكل من لبنان و سوريا, فقد أصبحت لبنان الآن هي مفرخة الموسيقيين وأصبحت سوريا الآن هي عملاق الدراما الذي لا يمكن لدولة عربية بما فيها مصر المنافسة علي عرشها, وعلي الجانب الثقافي يكفينا فقط الإشارة إلي الصورة المخزية التي خرج بها معرض القاهرة الدولي للكتاب يكفينا أن نرى أعواما تمر وراء بعضها البعض دون أن يصدر في مصر كتاب يستحق بسبب التراجع المخيف في حركة النشر والترجمة بوجه عام, في حين نرى دولا أخرى مثل الكويت تصدر أعدادا هائلة من الكتب والمجلات والمطبوعات الأخرى علي اختلاف تسمياتها تخدم جميعا الجانب القافي العربي في تجربة تستحق أن نحني لها جميعا الجباه شكرا و فخرا.
المسألة لا تتعلق من قريب أو بعيد بما قد يعتبره البعض أنانية أو حب امتلاك تأصل في قلوب ووجدان المصريين منذ عهد الفراعنة، ولكن الحقيقة ? إذا أردناها عارية ? ستأخذنا إلي محاولة لتأمل المصير الذي قد يؤول إليه الحال إذا ما تخلت مصر عن دورها بهذه البساطة ? سواء إرغاما عليها أو إهمالا منها, حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما اختارت مصر حليفا استراتيجيا لها، وراحت تغدق عليها بالمعونات، علي حد علمنا، كانت مصر تتمتع بنفوذ وتأثير قوي على بقية الدول العربية والإفريقية, أما اليوم وغدا، بعد أن يزداد تهميش الدور المصري أكثر وأكثر, ستخسر مصر تلك العلاقة مع الولايات المتحدة والتي سيكون من الغباء أن ننكر مدى أهميتها بالنسبة لمصر من حيث ضمان استقرارها السياسي والاقتصادي, وتلك هي أقل الخسائر إذا ما وضعنا في حسباننا آلاف الخسائر الأخرى التي قد تنتج عن تورط مصر دوليا و إقليميا.
وليد محمد الرمالي/ جريدة الخط الأحمر