إن أهمية إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم أضحى موضع اهتمام الساهرين على تطوير وتحسين منتوج العملية التعليمية التعلمية، لأن نجاح التربية في تحقيق أهدافها يقاس بسرعة استجابته وتفاعلها مع المتغيرات في المجتمع، وعليه فإن إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم يعتبر استجابة لهذه المتغيرات والتي ستؤدي إلى صياغة أدوار كل من الأستاذ والمتعلم، والكتاب والفصل الدراسي لمواكبة التطورات السريعة التي تشهدها المنظومات التربوية العالمية. وانسجاما مع هذه التصورات الحديثة للعملية التعليمية التعلمية، نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين في دعامته العاشرة على استعمال التكنولوجيا الجديدة للإعلام والتواصل من أجل تحسين منظومة التربية والتكوين، وكرس البرنامج الاستعجالي نفس التوجه حيث أولى أهمية بالغة لضرورة تأسيس نظام معلوماتي عصري ناجع لتدبير منظومة التربية والتكوين في المغرب وذلك من خلال إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال وحفز روح الابداع ضمن مجال التعلمات عبر تنفيذ برنامج جيني(Génie). كما لا يجب إهمال ما جاء به برنامج العمل لوزارة التربة الوطنية 2013/2016 في مشروعه السابع الذي يهدف إلى إدماج فعلي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعلمات. ومنذ بداية عشرية الإصلاح في ميدان التربية والتكوين أصبح الرهان الجديد هو تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع أطفال المغرب وإنصاف المنتمين منهم للعالم القروي ذكورا وإناثا. ومما لا شك فيه أن الاهتمام بالعالم القروي في هذا المجال يعد مدخلا أساسيا من مداخل إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم المغربي، حيث تشكل نسبة التمدرس به ما يقارب 55,34 % من التعليم الابتدائي العمومي حسب إحصائيات وزارة التربية الوطنية للموسم الدراسي 2012 / 2013[1]، هذا بالإضافة إلى السعي وراء تحقيق مبادئ الديمقراطية وتكافؤ الفرص بين مختلف أطفال المغرب بحواضره وأريافه. لقد أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصال آلية أساسية لممارسة مهنة التعليم وفق التحديات التي يفرضها العصر والمجتمع، لذلك فأستاذ التعليم الابتدائي بالعالم القروي لا يجب أن يبقى خارج هذه التكنولوجيا وغير مبال بها مفوتا بذلك فرصة الاستفادة من إيجابياتها وفوائدها في عملية التعليم والتعلم. وعلى العكس من ذلك، فقد لوحظ أن هناك اختلافا متباينا في مواقف الأساتذة تجاه استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال وإدماجها في ممارساتهم الصفية بين المرحب والرافض، هذا بالإضافة إلى تهميش العالم القروي من المذكرات الرسمية الخاصة بهذا البرنامج. مما يطرح علامة استفهام كبيرة حول واقع وآفاق إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالتعليم الابتدائي في العالم القروي بالمغرب. لقد أثبتت دراسة ميدانية متعلقة بواقع وآفاق إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم بالمدارس الابتدائية بالعالم القروي أنجزت في يونيو 2014 [2]أن اهتمام الوزارة ركز بشكل كبير على الجانب التقني والكمي أكثر من الجانب الكيفي، وذلك على حساب التكوين والمصاحبة والتحسيس بأهمية التكنولوجيا الحديثة ودورها في تحسين جودة منظومة التربية والتكوين بالمغرب، وهو ما يعتبر غير كاف لتفعيل الإدماج الفعلي للتكنولوجيا الحديثة في الممارسات المهنية في المدرسة القروية المغربية. كما خلصت الدراسة كذلك إلى أنه رغم أن أساتذة التعليم الابتدائي بالعالم القروي لديهم مواقف وتوجهات إيجابية تجاه إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم فإن الخطة الوطنية لإدماج هذه التكنولوجيا والتوجهات الرسمية للوزارة الوصية لم تعرهم اهتماما كافيا ويتجلى ذلك في الغياب الكبير للتكوين في هذا المجال سواء تعلق الأمر بالأساسي أو المستمر أو ذلك المتعلق ببرنامج جيني. كما أنه رغم تسجيل بذل مجهودات من طرف الوزارة الوصية لتوفير البنية التحتية والتجهيزات بالعالم القروي إلا أن توزيعها كان غير متوازن، وتدبير تسييرها غير فعال؛ ما خلق صعوبات وعراقيل متعددة تقف سدا منيعا أمام أساتذة العالم القروي لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في ممارساتهم المهنية. وللخروج من هذا النفق المسدود لا بد من اقتراح أفكار بديلة نورد بعضها فيما يلي: § إن الإدماج الفعلي لتكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم يتطلب تجاوز التركيز على المقاربة التقنية لتشمل التكوين والمصاحبة والتحسيس بدور التكنولوجيا الحديثة في الرفع من جودة منظومة التربية والتكوين خصوصا بالعالم القروي لضمان الانخراط الايجابي لجميع الفاعلين في هذا التوجه الجديد كما أن خصوصية العالم القروي وشساعة مجاله الجغرافي تتطلب بذل مجهودات إضافية لضمان تغطية مختلف الوحدات المدرسية على الأقل بحقيبة متعددة الوسائط وموارد رقمية نظرا لسهولة استخدامها واستغلالها في الممارسات الصفية؛ § ضرورة وضع جدولة زمنية أسبوعية ودقيقة على صعيد كل مؤسسة ابتدائية تحدد أوقات استعمال القاعة المتعددة الوسائط إن وجدت أو الحقيبة متعددة الوسائط من طرف أساتذة التعليم الابتدائي في المدارس القروية لضمان التناوب السلس على استعمالهما وتعميم الاستفادة منهما على مختلف الأقسام الدراسية والوحدات المدرسية؛ § يجب الاهتمام بشكل أكبر بتوفير واقتناء تجهيزات معلوماتية تعرف إقبالا كبيرا على استعمالها من طرف أساتذة التعليم الابتدائي في العالم القروي كالحقيبة متعددة الوسائط والموارد الرقمية وذلك بالموازاة مع تفعيل استعمال القاعات المتعددة الوسائط الموجودة؛ § اعتماد نظام الكوطا وبنسبة منصفة لمدارس العالم القروي التي تستقبل نصف المتمدرسين بالتعليم الابتدائي على مستوى التجهيزات والمعدات والتكوينات في إطار الخطة الوطنية "برنامج جيني"؛ § اعتماد مقاربة شمولية ومتناسقة للتكوين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال لجميع الفاعلين (أساتذة، مديرون، مفتشون...) وبالأخص في العالم القروي، سواء تعلق الأمر بالتكوين الأساس أو المستمر لمعرفة دور التكنو لوجيا الحديثة وأهميتها في منظومة التربية والتكوين وضمان انخراطهم الفعلي في إدماجها في ممارساتهم المهنية؛ § التفكير في آليات لعقد شراكات من طرف مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين مع معاهد متخصصة في مجال التكنولوجيات الحديثة لتوفير تكوينات في هذا الصدد لفائدة الأساتذة التعليم الابتدائي بالعالم القروي بأثمنة تفضيلية وتتويجها بشواهد معترف بها من طرف الوزارة الوصية تعطي قيمة مضافة لأصحابها لتجاوز النقص الحاصل في التكوينات الأساسية أو المستمرة لدى الفاعلين في المنظومة، ويمكن اعتماد هذه الشواهد لتسهيل عملية انتقاء الأساتذة المرشدين؛ § اعتماد نصوص تشريعية وقانونية ملزمة وواضحة تضمن الأجرأة الفعلية لمخططات الوزارة والساعية لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم بالمدارس الابتدائية القروية عوض المذكرات الوزارية التي تقدم توجيهات غير ملزمة للفاعلين في الميدان. إن المراهنة على تطوير هذا المجال في العالم القروي المغربي رهين بانخراط كافة الفاعلين التربويين والباحثين في مجال التربية، حيث أن إنجازهم لبحوث أخرى في هذا الموضوع كفيل بالتحفيز على التفكير في الآليات والسبل الكفيلة بإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم بالمدارس الابتدائية القروية وبالتالي تحقيق مبدإ الإنصاف والمساواة لكافة أطفال المغرب دون استثناء. مقتطف من بحث تربوي لنيل دبلوم مركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط يونيو 2014 من إنجاز المفتشين التربويين عبد العالي فهمي وكريم بندور [1] مديرية الاستراتيجية والإحصاء والتخطيط، موسم 2012/ 2013، ============================موجز إحصائيات التربية، وزارة التربية الوطنية، الرباط، المملكة المغربية، ===============ص.20 [2] عبد العالي فهمي وكريم بندور، 2014، بحث لنيل دبلوم مفتش تربوي للتعليم الابتدائي، إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم الابتدائي بالعالم القروي بالمغرب،الوضعية الراهنة والآفاق، مركز تكوين مفتشي التعليم، الرباط، المملكة المغربية. تربية و تعليم : الأحد 13 مارس 2016