الاتحاد الاشتراكي 06/11/08
أية مكتسبات وأي إصلاح تعليمي تريده أكاديمية وجدة بإقليم فكيك ؟
عمر قدوري
البرامج الاستعجالية الحقيقية لا تقتصر على تهيئ الفضاء المادي للمؤسسات التعليمية وحده بل الفضاء المعنوي الرافد، الذي يستوجب مزيدا من العناية باعتماد تشخيصات علمية مبينة على أرقام واقعية، ووضع برنامج عمل مستمر وبحكامة، تلامس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية منها داخل هذا المجال، الشيء الذي يغيب عن مخططات الأكاديمية الجهوية الشرقية بإقليم فكيك، كما تغيبه النيابة الإقليمية هي نفسها.
إن تنمية التمدرس بالعالم القروي، والحد من ظاهرة الهدر والتسربات المدرسية المستفحلة بالإقليم تتباين مستوياته ومجالاته الجغرافية والبشرية، لتصبح معه فضاءات التدخل متباينة تبعا للوضع القائم والمرتقب، تزيد معه حجب استبيان المكتسبات، وجزما غموضها تماشيا مع التباينات السالفة الذكر، مما يمكن وصفه بالأوضاع التعليمية الكارثية .
إن المناطق الشمالية من الإقليم القروية وشبه القروية منها خصوصا، والمناطق الداخلية الوسطى في سهول تامللت وبلغيادة، ومنطقة بوكراع شرقا والظهراء شمالا، وفي جهات متفرقة من الشريط الحدودي تمثل قبائل لعمور، وأولاد جرير ودوي منيع بعين الشواطر، وقبائل بني كيل شرقا، وكذا بلبغيل وبرابحة وحاسي عريشة، وهويرين، ونغرت وفاليط والمنكوب على مرمى حجر من النيابة الإقليمية، وهذه المناطق محرومة حتى من الاستفادة من تنفيذ اتفاقيات الشراكة الموقعة بين النيابة الإقليمية وعمالة الإقليم والجماعات المحلية في إطار برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لبناء قاعات دراسية ومرافق صحية ودور سكنية خاصة بأساتذة المنطقة، رقم الاتفاقية 49،50،52،67،69،و70، والتي لا علم للنيابة بأشغالها رغم توقيعها كطرف، منشغلة بالمقابل بما هو غير قائم مستنجدة ومستأنسة بالتسويف.
في ظل هده المرتكزات يصعب القول: إن استيعاب المستجدات التربوية هي بالأمر الهين في ظل هده المفارقات كلها، وعليه فإن معضلة التعليم بالإقليم معضلة مزمنة، من حيث البعد الاجتماعي وما يخلقه هذا البعد من هوامش، وما يحويه من معان موروثة، نتيجة تراكمات وإسقاطات لهذه المعضلات، يصعب التخلص منها في ظل سياسة الأكاديمية المتبعة جهويا على الإقليم ، والبعد الاجتماعي هذا مرتبط ببعده الجغرافي الذي تفوق مساحته ثلثي مساحة الإقليم تقريبا، وشساعة هذه المناطق، وبعد جل مؤسساتها عن النيابة بمسافات تصل إلى 280 كلم في كل من جماعة بوالشاون وبومريم وحتى تالسينت، وأخيرا بُعد بعض الفرعيات عن هذه الأخيرة إلى 80 كلم عن المركزيات بها، تفرض ضرورة خلق أنماط مختلفة من التركيبات البشرية، وزيادة من التأثيرات السلوكية لبعض القبائل المحاذية للقبائل نفسها بالقطر الجزائري .إن نسبة التمدرس في إطارها الرسمي تتراوح ما بين 70 و80 بالمائة من الفئة العمرية ما بين 6 و 11 سنة، وهذا يعني أن نسبة ما بين 30و 20 بالمائة من هذه الفئة لا تعرف تمدرسا، وأن نسبة 50 و 40 في المائة من الفئة العمرية ما بين 12 و 14 سنة هي الممدرسة، أي أن نسبة الهدر المدرسي لهذه الفئة ما بين 50 و 60 بالمائة من الممدرسين، أي أن نسبة 50 و 60 بالمائة من مجموع 23،1 بالمائة من الأطفال الذين يشكلون سكان بومريم لا تكمل التعليم، ومن نسبة 24،4 ببوشاون، ومن نسبة 30،1 من تسكانية عبو لكحل، و24،9 من تسكانية بني كيل و 26،9 من معتركة، وأن عدد الحاصلين على البكالوريا بالنسبة للمسجلين بهذه المناطق هو 0،51 بالمائة، هذا حسب ما ورد في الإحصائيات الرسمية، أمٌا الأرقام الحقيقية فهي أبعد من ذلك بكثير، في حين تعرف نسبة الأمية تفاقما مستفحلا نتيجة عدم التمدرس، وهذا الهدر المبكر، والذي لم تتساءل الأكاديمية عن أرقامه يوما ما.
إن البعد الاقتصادي بالمنطقة يعتبر قطب الرحى للخروج من دوامة الآفة التي تنخر كيان التعليم بها، إذا ما علمنا أن نسبة التسكانية النشطة بها تتراوح ما بين 26 بالمائة و 32 بالمائة، ونسبة الفقر تتراوح ما بين 67 بالمائة و 78 بالمائة والنمو الديموغرافي يصل 2،5 بالمائة .
إن الاختلالات التربوية كثيرة بهذه النيابة، والأكاديمية معها تغض النظر،لا لشيء، وإنما لفرض واقع مزر مصطنع لا حول للنيابة معها ولا قوة، وتزكية هذه الأوضاع من طرف الأكاديمية هي السمة الموشومة، فسيارة الأكاديمية لا تصل إقليم فكيك إلا فيما هو غير تعليمي، وتبقى المشاكل التعليمية على حالها حتى ساعة الامتحانات الإشهادية لتظهر من جديد على شكل احتجاجات، وتظاهرات تلاميذية، يتملص الطرفان، وتبقى السلطات الإقليمية تتجرع كأس الهاجس الأمني، دون تقديم وصفة في الوقت المناسب.
إن التكوينات المستمرة على صعيد الوطن تلقى استحسانا، عدا بإقليم فكيك، فرغم الاستعدادات لها، وتوفير الوسائل اللوجستيكية، فإن هذه التكوينات تفرغ من فحواها زمانا وحضورا، إذ تأتي كلها في أوقات غير أوقاتها وباستعجال يصعب معه حضور المستفيدين منها، ومن خلال استقراء للتكوينات المنظمة، فلا فعالية ولا جدوية منها ولا حضور، عدا التكوينات الخاصة بأطر التوظيفات المباشرة، وتكوينات مشروع ألف باستحسان، زيادة على تمركز هذه التكوينات بمدينة بوعرفة ليستغرق الوصول إليها يومين ذهابا ويومين رواحا وخصوصا لأساتذة الفرعيات النائية في كل من جماعة معتركة وبومريم وبوالشاون، ووصولها صباحا يجعل صعوبة التركيز حاضرة والتتبع مستعص دون تعويض عن التنقل.
إن عدم استيعاب مضامين الإصلاح ، وخصوصا إصلاح الإدارة التربوية 2004، جعلت من هذه الأخيرة عرضة رياح تقليدية لا انفكاك منها ما دامت النيابة الإقليمية وكما الأكاديمية لا تلامسها ، مما بلا يظهر معه ـ على الأقل ـ بوادر تطبيق إصلاح النظام التعليمي التربوي بالإقليم بكل أبعاده، ومعه ارتقاء بجودة التعليم سنة 2005 وموضوع الشراكة باعتبارها ثالوث حلقات حاسمة في تقرير المجلس الأعلى للتعليم المنعقد شهر مايو 2008 ، والذي يعتبر بحق مهزلة اللقاءات إقليميا، والانتقال من منتدى لآخر به تغيب معه كل المحطات التقييمية لسابقتها، ويغيب معها التقويم، وإعطاء انطلاقة صحيحة دون تراكمات.
ودون الإسهاب في الحديث عن الجانب المالي والمادي ، فيما يخص الصفقات وكيف يتم إبرامها، والإصلاحات وما يترتب عنها من ارتجالية، الاستبداد بالرأي وعدم الأخذ بوجهات نظر حتى رئيس المؤسسة المعنية بالإصلاح هي السمة السائدة، والتكليفات المجانية، والمحسوبية والزبونية حاضرة بشكل ملفت للنظر فيما يخص التعويضات .
إن المتتبع للشؤون التعليمية بإقليم فكيك لا يمكن أن يقرأ المذكرة 60 التنظيمية للموسم الدراسي 08/09، وخصوصا الديباجة التي تتكون من عناصر قد يحلم الإقليم يوما ما وسنة ما أن تتحقق به في ظل أكاديمية جهوية شرقية مترهلة، من قبيل ـ تعزيز المكتسبات ـ تطوير المكتسبات ـ الرفع من وتيرة الإصلاح ـ استكمال الأوراش ـ مقتضيات الميثاق الوطني ـ الانخراط في المنظومة التربوية ـ التربية والتكوين باعتباره المدخل الرئيسي لتحقيق التنمية ـ استحضار البرامج الاستعجالية ـ تعميم التعليم الأولي ـ تعميم التعليم الإعدادي وتوسيع قاعدته في التأهيلي ....
وبالمقابل بالإقليم، تُطرح مجموعة من الاسئلة: ـ عن أية مكتسبات تتحدث الأكاديمية حتى يتم تعزيزها وتطويرها؟ ـ أية أوراش؟ وأية منظومة تربوية بالإقليم تريدها أكاديمية وجدة لإقليم فكيك؟ ـ البرامج وبنعت استعجالي ( التعليم الأولي) التعليم الابتدائي.....الخ، ما تاريخها ؟
إن إقليم فكيك وفي إطار العزلة المفروضة والمضروبة عليه، ما انفكت تزداد أوضاعه التعليمية تفاقما وتراجعا في إطار أسس غير حقيقية لتنمية وتعليم أجياله، وأنه غائب بحق من أجندة الأكاديمية.
2008/6/11
الإتحاد الإشتراكي 2004- جميع الحقوق محفوظة