<< من جميل ماقـرأت...*..دخل صديقي (سعيد) إلى مكتب مديره محتجًّا علىتعيين زميله مديرًا لفرع جديد للشركة برغم أنه الأقدم والأقدر. تبادل سعيد ومديره الحجج حول هذا القرار، وتعالت أصواتُهما واحتد الموقفُ أكثر، وما كان من صديقي الذي فارت أعصابه إلا أن أمسك ورقة على طاولة المدير وكتب استقالته ورماها في وجه مديرهوانصرف. ما عرفته بعد ذلك أن (سعيدًا) واجه الكثير من المصاعب، وندم أشد الندم علىما حدث ولكن كما يقول الجميع (لحظة غضب)..!!
أنا متيقن أنك تعرف الكثير من القصص المشابهة التي أدت لحظاتٌ من سورة الغضب فيها إلى نتائجَ غيرِ محمودة يندم عليها صاحبُها طوال العمر!! فكم رجل طلق زوجته، وكم خصم اعتدى على خصمه حتى أنهى حياته،وكم سائق أراد النيل ممن ضايقه فارتكب حادثاً مروريا قاتلا.. وتطول قائمةالأمثلة..
الغضب هو حالة شعورية تبدأ من الإثارة الخفيفة حتى الاهتياج الشديد الذي يُعمي البصرَ والبصيرة. قد يكون الغضبُ متجها نحو شخص ما (رئيسك في العمل، زميلك) أو نحو حَدَث ما (ازدحمام مرور السير، رحلة طيران مُلغاة،..) أو بسبب قلقك حول مشكلة شخصية أو بسبب ذكرى مؤلمة.
يتفق علماء النفس على أن السيطرة على لحظات الغضب يعد من الأمور الشاقة على الإنسانd8s.. ولعلها من المهارات الإنسانيةالراقية والاحترافية التي لا تتوفر لدى كثيرين. ومع ضغوط الحياة اليومية، نكشف كليوم حاجتنا الماسة إلى امتلاك هذه المهارة.
لن أخوض في تفاصيل كثيرة حول الأثرالسيئ للغضب على جسم الإنسان وحياته النفسية فهذا أمر بيّن ونعرفه جميعا، ومع ذلكلم يساعدنا على التخلص من الغضب..!!
سوف أجمل فيما يلي وسائل للمساعدة على التخلص من الغضب، وقبل أن نبدأ في بحثها لا بد أن يكون واضحاً أن السيطرة على الغضب مهارة تحتاج –مثل كل المهارات- إلى الكثير من التدريب والتمرين ولكنه أمر يستحق بذل الجهد وعرق الجبين..!
أولاً: لابد أن نسلم بالحقيقة الهامة: أن الحياة ليست مثالية. ولن تكون يوماً من الأيام كذلك. وأن كل ما يجري لن يكون مثالياً، أو علىأفضل ما نتوقع أو نرجو.
ثانياً: تعرَّف اللحظات الأولى من الغضب.. وهي اللحظات التي تبدو الأمور فيها أنها ما تزال تحت السيطرة، وجرب الأمورالتالية:
(أ) كن واعيا للتغيرات الجسدية المبكرة كتوتر العضلات، ووضعية (القبضة) ليديك، وجفاف الحلق، وانقباض عضلات الجبهة، وتسارع دقات قلبك، وتزايد معدل التنفس وغير ذلك.
مثل هذه التغيرات هي (صفارات إنذار) مبكرة فاستفد منها.d8s
(ب) كن واعيا لتسارع الأفكار في رأسك مع بداية الغضب. الغضب هو رد فعل لمانعتقد أنه إهانة لنا.. إن مراقبة سيل الأفكار مع بداية الحدث المثير للغضب له فائدةكبيرة في منع الغضب لوضعه في إطار إيجابي جديد كما سنوضح في الفقرة التالية.
(ج) كن واعيا بنشوء مشاعر الغضب في أثناء حدوثها ومراقبة نتائجها.. إنهاكمشاهدة من الخارج لما يموج في عالمنا الداخلي.. والفرق كبير بين أن تغضب من شخص ماحتى تشعر وكأنك تريد أن تقتله (هذه هي مشاعرك المباشرة) وبين الوعي بها وملاحظتها. فتقول لنفسك في أثناء الغضب: (هذه مشاعر الغضب.. إني غاضب من هذا الشخص). من ثممراقبة نتائج ذلك: (أنا غاضب، ولذا فإن أي قرار أصدره ربما لا يكون حكيماً). وهكذاستجد أنك تبسط قوة إضافية على مشاعرك مهما اشتدت حدتها، ومن ثم ستقلل من تأثيرهافيك.
ثالثاً: إعادة وضع الموقف في إطار إيجابيd8s.. أي أن تستبدل بسيل الأفكار المشحونة بالغضب تفسيراتٍ أخرى ممكنة وأكثر سلامة مثل: "من يدري ربما خفيت عليه سيارتي.. أو ربما يكون لديه سبب يجعله يقود سيارته بهذه العجلة.. ربما يكون والده في العناية المركزة في المستشفى.. أوه! الله يعينه!". وهكذا لم تكظم غيظك ولم تنفس عنه، بل قطعت غضبك بأفكار منطقية وممكنة.
يروي ستيفن كوفي في كتابه المميز (العادات السبع للناس d8sd8sالأكثر فعالية) أن رجلاً دخل إلى القطار ومعه خمسة من الأولادالذين انتشروا في القطار يلعبون ويصدرون الفوضى والإزعاج في حين ظل هو جالسا بكلهدوء دون أن يمنعهم من إزعاج الآخرين. ضاق الناس بالأولاد ذرعاً فحادثه الرجل الجالس بجانبه وهو غاضب يحثه على منع أولاده من مضايقة الآخرين. فقال أبو الأولاد: (لقد ماتت أمهم منذ قليل، ولا أعرف ماذا سأقول لهم..!!). عندها دهش الرجل الغاضب: (أوه أنا آسف. هل يمكن أن أفعل لك شيئاًrs5rs5rs5). لقد نسي تماماً ما يسببه الأولاد منإزعاج، وتغير غضبه إلى مساندةrs5. صدقني إنه في كل حدث يمكن أن تجد تفسيراً بديلاً لمايدور في رأسك لو حاولت البحث عنه، وذلك سيخفف من حنقك وغيظك. أليست هذه وسيلة فعالةللسيطرة على الغضب الذي يسببه الآخرون لنا.
رابعاً: إلهاء أنفسنا بعيداً عنما يثير الغضب.. وقد حدثنا الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- في الحديثالشريف: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لنا: (إذا غضب أحدكم وهو قائمفليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع).
وذلك لأن تغيير وضعية الغاضب أوخروجه للسير لمدة وجيزة والقيام ببعض الرياضة، كل ذلك سيساعد على تلطيف الغضب. لكنتذكر أن مدة التهدئة هذه لا قيمة لها إذا استنفدت في الانشغال بالأفكار التياستنفرت الغضب في المرة الأولى.
خامساً: تعلم التعبير الصحيح عن الغضب.. عندما نغضب فإننا نُظهر هذا الغضب عبر الأساليب الثلاثة التالية: الصياح،والاعتداء، الكبت، والطريقة الصحيّة هي التعبير عن ما أغضبنا بكل حزم وثبات وعبراستخدام لهجة واضحة وصارمة وبنغمة صوت عاديةd8s كالتي تستخدمها بشكل طبيعي دون إيذاءللآخرين.
في بعض المواقف (زحمة الطرق، نقد لا يمكنك دحضه،..) ربما لا يكون هناكفرصة للتعبير عن غضبك، وهنا يكون الأسلوب الأمثل هو تغيير تركيز انتباهنا نحو عملبناء (تحسين أدائي المنتقَد) أو التفكير بشكل إيجابي (من لا يُخطئ؟!) للتخفيف عنأنفسنا.d8s
سادساً: سلِّم بماهية الأشياء: إحدى الأفكار الجميلة التي ستساعدناعلى تجاوز الكثير من الأحداث المزعجة أن نعلم أن الحياة في تغير مستمر. كل شيء لهبداية وله نهايةrs5. قدّر أن كل شيء سيعود إلى أصله.. فكل آلة أو أداة تُصنع سوف تَبلىوتتفتت يوماً ما. المسألة كلها مسألة وقت. فالذي تتوقع أنه سينكسر، ينبغي أن لاتُفاجأ أو تصاب بالغضب عندما ينكسر، فهذا قدره..!! وبدلاً من أن تستاء، فإنك تشعربالامتنان من أجل المدة التي استخدمت هذا الشيء فيها. خذ مثالاً سهلا على ذلكفعندما ينكسر كوب الزجاج المفضل لديك ينبغي أن لا تنزعج؛ لأنك تعلم أن هذا قدره. وأن كل شيء سيبلى يوماً ما ويعود إلى أصله. وعلى هذا يمكنك أن تقيس موقفك من أمورأكثر أهمية.
ختـاماً: جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس الشديد بالصُّرَعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب).
حقاً إن التحكمبالغضب مهارة راقية تمنح من يتقنها السلام والطمأنينة وتقيه من آثاره المدمرة علىالروح والجسد
---------------------------------------------